ولا نداء

ولا نداء

18 يوليو 2017
بشار الحروب/ فلسطين
+ الخط -

في جانب من جوانبه، يمكن تلخيص المنفى بأنه المكان الذي لا يناديك فيه أحد. نعم، النداء هو ما ينقص المنفيّ. هو ما يفتقر إليه، ويحلم به. نداء صديق أو معرفة أو جار أو زميل. في الشارع، في محطة القطار، بين الزحام، والأهمّ: على حين غرّة.

المنفيّون ينادون بعضهم فحسب. ونادراً ما يناديهم مواطن البلد الأصلي. ينطبق هذا على أوروبا الغربية والشمالية، أكثر من انطباقه على الجزء الجنوبي أو الشرقي منها.
ومع ذلك، حتى في الأماكن الأخيرة، غالباً ما يلتفت المنفيّ إلى الوراء، متوهّماً أنه سمعَ أحدهم يناديه، فلا يجد أحداً.

يستاء في البداية، ثم يخجل، وفي النهاية يمارس السخرية السوداء على نفسه!

شعور غير لطيف بالمرة، أن تكون مُنَادَى ولا نداء. شعور لطالما انتاب كاتب هذه السطور، فعاد بذاكرته إلى بلده، حيث كان أحياناً يستاء إذ يناديه أحدٌ وهو سارح في تأمل شيء ما. ويعتبر ذلك نوعاً من الاعتداء على الخصوصية.

الآن، يقول سقى الله تلك الأيام.

الآن يقول إنّ الفردية الأوروبية، هي الجحيم بعينه. إنها مُسمّى مُلطَّف للأنانية. تلك الخصلة الحقيرة في الإنسان.

فلا عائلة هنا، بمفاهيمنا، ولا جار، ولا ولا.

حياة باردة حدّ الكآبة.

ومع ذلك، غير المنفيين يحسدون المنفيين على هذه "النعمة".

رحم الله الزميل المتنبي!

المساهمون