إيلي عياش:استعارة مغامرة بورخيس لفهم السوق المالي
فيليكس غونزاليس/ إسبانيا
في فيلم "الرأسمالية قصة حب"، للمخرج الأميركي مايكل مور، يطلب هذا من أحد خبراء السوق أن يشرح له ما هي "المشتقات المالية"، يبدو الأمر للمشاهد، ولمور نفسه، كما لو أنه مستعصٍ على الفهم، يشرح الخبير أن هذه العقود المالية مصمّمة أساساً لكي لا يتم فهمها.
على العكس من ذلك، يحاول الباحث اللبناني إيلي عياش أن يشتغل على فرضية معاكسة تماماً في محاضرته "الكتابة مقابل التنبوء: حالة بيير مينار (مؤلّف دون كيخوته) والسوق المالي"، التي يلقيها عند الثامنة من مساء اليوم في جمعية "أشكال ألوان" في بيروت.
كما نعرف فإن بيار مينار هو مؤلّف متخيّل ابتكره الكاتب الأرجنتيني بورخيس في واحدة من قصصه المعقّدة والإشكالية، ويفترض فيها بورخيس أن مينار كاتب من عصرنا يقرّر إعادة كتابة "دون كيخوته" لـ سيرفانتيس من جديد من دون أن يغيّر فيها حرفاً واحداً وأن يكتبها في عصرنا ولكن باللغة الإسبانية القديمة.
يعتبر بورخيس أن مينار لا يعيد كتابة رواية سيرفانتيس بل إنه يكتب رواية جديدة تماماً، حتى وإن كانت نسخة طبق الأصل عن الرواية القديمة، ويمكن تفسير ذلك لجهة خروج مينار من زمانه وتقمّص لغة من القرن السادس عشر، وهذا بحد ذاته ابتكاراً.
في هذا السياق، يمكن فهم ابتكار مينار نفسه من جانب أثر مرور الزمن على كتابة العمل، بحيث يصبح من الممكن القول إن "دون كيخوته" مينار تأثر بجيمس جويس مثلاً وهو يكتب عمل سيرفانتيس، فقد أصبح من الممكن تلقي العمل في القرن العشرين باعتباره تأثر بالأعمال الكبرى التي ظهرت بعد أن كتب العمل الأصلي، لأن المؤلف تغيّر. بل وبهذه الطريقة يمكن القول إن مينار مبتكر أكثر من سيرفانتيس إذ يقرر إحياء لغة قديمة وتقمصها، في حين سيرفانتيس كتب بلغة عصره.
يخوض الباحث عياش مغامرة فكرية بالمقارنة بين تجربة بورخيس في حكاية مينار وبين حقيقة المشتقات المالية في السوق، ويحاول أن يبرهن أن الأسواق المالية التي تعتمد على هذه المشتقات أو المطالبات العرضية ليست معقدة كما يعتقد الجميع، حتى وإن كانت جديدة تماماً.
في الحقيقة إن عياش يفترض أنه ولفهم آلية عمل السوق المالي يقتضي الأمر قلباً تاماً للآلية التي نفكر فيها، كما فعل مينار، فالمشتقات المالية ليست ظاهرة إحصائية بين ظواهر أخرى تخضع لآليات الاحتمال والممكن، بل هي بديل جذري عن الفهم الإحصائي للسوق المالي.
