"ماذا يوجد في القرآن": أن يتحوّل المسلم إلى باحث

"ماذا يوجد في القرآن": أن يتحوّل المسلم إلى باحث

30 يونيو 2017
(علي رضا أستانيه، متحف طهران للفن المعاصر، 2014)
+ الخط -
كتاب من حجم صغير، ولكنه قد يثير كثيراً من ردود الفعل المتباينة؛ بين مؤيد ومعارض. هذا هو حال العمل الصادر الشهر الماضي "وأخيراً، ماذا يوجد في القرآن؟" (2017، منشورات "لابواتا بوندور"، بروكسل) لكلّ من الفنان البلجيكي، من أصول مغربية، إسماعيل السعيدي، والباحث في الدراسات الإسلامية، رشيد بنزين، الفرنسي، من أصول مغربية أيضاً.

لا يعود هذا التوقّع بإثارة الجدل إلى أفكار صادمة أو مسّ بالمقدّسات، وإنما إلى الوسيلة التي اعتمدت من أجل الحديث عن معاني القرآن، كاللغة المستعملة وطريقة التحرير التي تم اختيارها، والتي تعتبر غير مألوفة بالنسبة إلى هذا المجال من الدراسات.

تقوم فكرة العمل على تناول إشكاليات فهم القرآن في لغة مبسّطة، هذا الموضوع الجدّي والدقيق يجري تناوله بروح مشبعة بالدعابة، إذ اختار المؤلفان أسلوب الحوار العادي بين شخصين يجلسان على طاولة في مقهى أو في أي مكان عام. ولعل هذه الروح المرحة تبرز منذ العنوان الذي قد لا تسمح اللغة العربية بترجمة حمولته بشكل دقيق. إذ يتأرجح بين التساؤل والهزل.

يمكن القول بأن الكتاب موجّه أساساً للشباب بهدف تطوير التفكير النقدي، وهو يتضمّن معلومات غزيرة قد تفيد كثيرين في التعرّف بشكل مبسّط على مواضيع معقّدة. يقول رشيد بنزين في حديث لـ "العربي الجديد"، والتي التقته خلال حفل توقيع الكتاب في بروكسل مؤخراً: "أردنا تزويد الشباب - والقرّاء بشكل عام - بعمل يجمع بين الجدّية والصرامة الأكاديمية، حول موضوع القرآن الكريم ولكن بأسلوب مرح، أملاً في أن يلعب الكتاب دور "أداة" لتطوير التفكير النقدي".

ويضيف بأن "الهدف ليس تقديم دراسة أكاديمية صرفة، وإنما التطرّق إلى نص القرآن الكريم بطريقة ذكية، تدفع بالقارئ إلى تحمّل المسؤولية"، مشيراً إلى أن "التعليم هو السبيل الوحيد للخروج من التجاوزات الأيديولوجية، والأفكار الوهمية حول القرآن".

ضمن هذا اللقاء التقديمي، تقول إحدى الحاضرات، وهي طالبة، لـ "العربي الجديد": "رشيد بنزين جعلني أريد أن أتعلّم أكثر"، وتضيف: "لقد فهمت أن التقاليد فقط ليست كافية للتعرّف على الإسلام والقرآن الكريم. وأن السبيل الوحيد للمعرفة وتطوير أفكارنا هو الدراسة والبحث".

بحسب بنزين "إذا عاد الطلاب إلى ديارهم قائلين إن الكتاب مهم، ولكنه يعقّد الأمور، نكون قد نجحنا في مهمّتنا. فالهدف هو أن يصبح القرآن الكريم موضوع أسئلة وليس مجرّد موضع معتقد وإيمان".

رأى هذا العمل النور بعد عام من لقاءات نظّمها كلّ من السعيدي وبنزين في مدارس بلجيكية وفرنسية عديدة، حيث دخلا في نقاشات مطوّلة مع الطلاب والمعلمين. فالحوار الذي نجده في الكتاب بين المؤلفيْن هو في الأخير خلاصة هذه الاجتماعات التي أبرزت مدى "عدم معرفة" الطلاب كما الأساتذة بمحتوى القرآن الكريم.

في تسعة فصول، ينتقل القارئ بين مواضيع مختلفة محطّ تساؤل لدى المسلمين في الغرب وغير المسلمين: من هو الرسول محمّد؟ ما معنى كلمة كافر؟ من هم اليهود المشار إليهم في كثير من الآيات؟ ما هو الجهاد؟ هل يدعو القرآن الكريم حقاً إلى العنف؟ لماذا نتحدّث عن الطعام الحلال؟ ما هي مكانة المرأة في الإسلام؟ وغيرها من الأسئلة التي يطرحها السعيدي بنوع من الدعابة، ويقدّم بنزين - باعتباره باحثاً في الإسلامولوجيا - إجابات واضحة ومبسّطة عنها تعتمد على السياق التاريخي والأنثروبولوجيا واللسانيات.

من خلال هذا التصوّر، يعتبر بنزين أن الكتاب يجعل من القرآن الكريم موضوعاً للمعرفة، فيقول: "علينا التشكيك في اليقين وطرح الأسئلة القلقة. يجب علينا التوجّه نحو بناء مجتمع يتساءل. ولا يمكننا أن ندع شبابنا في أيدي دعاة خطاب الكراهية". ويمكن إيجاز شعار الكتاب في رسالة إلى القارئ مفادها: "لا تتوقف أبداً عن التساؤل". فالمعتقدات من دون رؤية نقدية تصبح خطراً، بحسب الكاتبيْن.

"النصوص المقدّسة الكبرى تشبه المسافرين، فهي تعبُر القرون، وحتى آلاف السنين. وتتحوّل بفعل تفسير الناس لها بين مراحل التاريخ"، يقول بنزين ضمن أول لقاء له - في الكتاب - مع الفنان البلجيكي، في إطار إجابة على التساؤل: إن كان القرآن يسمح له بفرض كل ما يريد على زوجته كما سمع بذلك؟ يتضمّن الجواب أيضاً حديثاً عن "جدار أنثروبولوجي"، أي الحاجة إلى وضع النص أولاً في سياقه الزمني: القرن السابع الميلادي.

يقول بنزين: "لفهم القرآن الكريم نحن بحاجة إلى ثلاث مسائل رئيسية هي: الزمان والمكان والمجموعة البشرية التي نزل بينها"، وبالتالي، "عندما ندرس التاريخ يجب علينا تحديد ما هو خاص، بالنسبة لأي مجتمع وأوجه الاختلاف مع مجتمعات أخرى. ولا يتعلق الأمر بإصدار حكم، والقول ما هو الصواب أو الخطأ، بل بدراسة ما هو خاص واستثنائي، من دون إصدار أحكام قيمة".

لوضع النص المقدّس في سياقه التاريخي وزمنه، يجب تجريده من التفاسير والتأويلات المتأخرة، يتابع قائلاً: "يجب علينا النظر إلى القرآن كنقطة انطلاق، وليس الوصول". وفي موضع آخر يقول: "على الأرجح، من الخطأ الخلط بين النموذج المقدّم في القرآن الكريم، مع الإرادة المفترضة لإدامة هذا النموذج بشكل أبدي. على الرغم من أن القرآن لا يتحدّث عن هذه الفرضية".

ويواصل الباحث المغربي الإجابة عن أسئلة السعيدي بخصوص تعدّد الزوجات وسلطة الرجل على المرأة أو الرّق، ليصل إلى خلاصة أنه: "إذا كنت فعلاً مهتماً بالإسلام فعليك التحوّل إلى باحث حتى لا تفهم كل شيء بشكل خاطئ، وتُسقط بالتالي تجربتك الخاصة وخيالك على الدين، أي ترديد أوهامك حول الإسلام". كذلك يشير إلى أن الدراسة الصحيحة للقرآن الكريم، وهو ما يسعى الكتاب إلى تحقيقه، هي الانطلاق من النص نفسه، وليس من التفسيرات الكثيرة التي أعادت تشكيله وفق مواقفها وأزمنتها.

خلال القراءة، قد يشعر القارئ بأنه في رحلة عبر الزمن، مكتشفاً المجتمع العربي في القرن السابع الميلادي، عبر مقاطع اعتمد بعضها على الإثارة الدرامية. كذلك نجد محاولات أسلوبية عديدة، لشدّ انتباه القارئ منها عناوين فصول مثل "الكفار والكلاب الضالة وعجائب أخرى"، أو "إذا ضربك أحد على خدك الأيمن، فاقطع رأسه"، أو "سليمان، أنت يهودي؟".

الانتظارات التي تفتحها عناوين كهذه، سرعان ما يجري توجيهها من خلال نصوص موجزة حول السياق التاريخي والجغرافي والفكري، ما يساعد القارئ على الفهم والاستيعاب. ويذكّر الكتاب، على سبيل المثال، بأن القرآن الكريم عكس الاعتقاد الشائع (على الأقل في الغرب)، لا يحمل كثيراً من الآيات التشريعية، كما أنه يتعامل بشكل حذر مع مسألة التحريم، إذ يؤكّد المؤلفان بأنه يعتمد أكثر على الوعظ لدفع المجتمع لإعادة النظر في عاداته.

دلالات

المساهمون