رولا أبو صالح: حبْلٌ دامٍ بين ضفتين من البراءة

رولا أبو صالح: حبْلٌ دامٍ بين ضفتين من البراءة

12 يونيو 2017
(من لوحات المعرض)
+ الخط -
لا تزال التشكيلية السورية رولا أبو صالح (1982) مهتمّة بتعقّب انفعالات الأطفال، وهو ما يظهر في معرضها المقام حالياً في "غاليري كامل" في دمشق.

كنّا في "العربي الجديد" قد تناولنا، في مثل هذا الشهر من العام الماضي، عوالم الفنانة وهي ترسم أولاداً ينتظرون، ويحلمون، أو على وجوههم ابتسامة تختزل حكمة مبكرة. في أعمالها الجديدة، يبدو أن أبو صالح نسفت المسودات التي كانت بمثابة جسر لمشروع عن طفولة الأسئلة. اليوم نضجت الوجوه المؤجلة. أخذت الأجساد الصغيرة متاريس خوفها وراحت ترقص رعباً. إننا اليوم أمام لوحات لأطفال هضموا الألم وهم يحدّقون في خراب البلاد.

وكأن التشكيلية السورية تحوّلت من واقعية الصمت المفرط حيث وجوه آلاف الأطفال في الداخل السوري، إلى تداعيات وحشية على مساحة قانية من الفزع، إنهم يلعبون "بيت بيوت" الموت الصغير، توقف زمنهم قبل أن تنقطع حبالهم الصوتية، نراهم يشهقون وكأن انفجاراً فتّت عفوية ملامحهم لتغيب خجلاً من كل هذا الدم.

تعكس الفنانة في مجمل لوحاتها حالة اللعب المستمر لدى شخوص لهم ملامح الأطفال، تلاشت أجسادهم ببساطة الحديث عن ثورة معقدة، كيف تستطيع تلك العيون قراءة الحرب؟ كأنهم في هدنة ممزقة، وسط عاصمة تضج بالدم والاختناق، لكن أحداً لن يلتفت إلى كون الأولاد مستمرّين بالعراك وتجاذب الحركات حتى لتبدو بعض الأجساد كأنها محاصرة في العنف الهادئ، لا صوت ينقذها من الألعاب الأخيرة.

الأولاد يقفزون بجنون على مغامرة الوجود، تجمعهم لعبة شدّ الحبل، الصراع بين طرفين، لعبة حوّلت أذرع الأولاد وضفائر البنات إلى جزء من الحبل المشدود بين ضفتين من البراءة، ناهيك عن تداعي الأوجاع المستمر لاقتلاع هذا الطرف واستثمار ذاك الجسد، فقط من أجل أن ينتصر طفل على آخر.

تنوّعت تقنيات الأعمال المعروضة بين الحضور الطاغي لتعبيرية الأكرليك، وتكوين الملامح في الوجوه والحركات عبر ضربات الزيتي، محاولة ضخ الحياة في مناطق لافتة في اللوحات كالأيادي المتطايرة مثلاً ونقاط التقاء الأجساد مع بعضها. هناك حضور لمدارس فنية مختلفة في جملة الأعمال، إذ يمكن أن نقع على مناطق تجريدية وعلى لمسات تعبيرية، وتفاصيل سوريالية تخترقها مشاهد واقعية.

من خلال هذه التقنيات شكّلت أبو صالح سماكة مقصودة تكسر تقارب الأسلوب، وجاء اختيارها لامتدادات الأبيض والأسود في لوحات أخرى كاستحضار لزمن مقبل، تفسّره العيون الشاخصة إلى البعيد، الجحيم القديم.

أطفال التشكيلية السورية الشابة في مشاهدهم تلك يهربون من الواقع وتدجينه، ويسخرون من التبعية بعد الحرب وقبلها. يتجلّى ذلك في لوحة الأولاد المترادفين كأنهم في اجتماع عسكري، بينما ينظرون إلى طفلة تلبس ثياب المهرّج وتنظر نحو المتلقي وقد اتشحت ثيابها الملوّنة بالأبيض والأسود لأنها مضت رافضة أن تكون من القطيع.

المساهمون