يمينة مشاكرة.. في ذكرى امرأة بثقل البارود

يمينة مشاكرة.. في ذكرى امرأة بثقل البارود

19 مايو 2017
(يمينة مشاكرة في بورتريه لـ أنس عوض، العربي الجديد)
+ الخط -

في هذا اليوم تحلّ ذكرى رحيل الكاتبة الجزائرية يمينة مشاكرة (1949 - 2013) الكاتبة والطبيبة المختصّة في الأمراض العقلية. كانت قد اشتهرت أساساً بروايتها "المغارة المتفجرة"، التي كتبتها باللغة الفرنسية، وصدرت طبعتها الأولى سنة 1979 وانتظر قرّاؤها عشر سنوات بعد ذلك لتصدر ترجمتها إلى اللغة العربية من طرف الكاتبة اللبنانية عايدة أديب بامية.

ورغم أن مشاكرة أصدرت عملاً روائياً ثانياً بعنوان "أريس" سنة 2000، فإن اسمها بقي مرتبطاً بالعمل الأول فحسب، ويعيد بعضهم ذلك إلى المقدّمة التي خصّها بها كاتب ياسين الذي اعتبر العمل قصيدة طويلة نثرية، تُقرأ كرواية كما كتب "المرأة التي تكتب في الوقت الحاضر في بلدنا، تساوي ثقلها باروداً".

من خلال مقاربات التحليل النفسي، تناولت مشاكرة في "المغارة المتفجّرة" ما عاشه الجزائريون زمن الحرب ضد المستعمر. من أجل ذلك جعلت بطلة عملها فتاة يتيمة الأبوين تقيم داخل مغارة جبليّة يستخدمها الثوّار كمستشفى ميداني فعملت كممرّضة تتكفّل بعلاج جرحى الحرب فتسمع بوح الجرحى والمعطوبين وتسجّل تفاصيل اعترافاتهم عبر توالي فصول الرواية.

تقع الفتاة في حبّ أحد الثوّار الجرحى، ليتوّج حُبّهما بزواج باهت وسط عتمة المغارة، بلا بهرج أو احتفالات. وسرعان ما يتعرّض الموقع إلى قصف جوي مدمّر، لم يلبث أن تفقد زوجها، ويصاب طفلهما بتشوّه في رجليه ويفقد بصره، هكذا وأمام هول ما عاشته ستصاب بما يشبه الجنون.

كان الكاتب الجزائري مرزاق بقطاش يعرف يمينة مشاكرة عن قرب، وطالما صرّح بأنها كانت قادرة على كتابة أشياء عديدة، لأنها كانت تعرف وضعية المرأة الجزائرية. لكنه يكشف أيضاً أنها "كانت تعاني ضغوطاً نفسية، دفعتها إلى أن تركّز جهودها كلها، على الحالة الأنثربولوجية للإنسان الجزائري ليس من أجل فهمه فحسب، بل من أجل إيجاد حلول للمشاكل والعقد النفسية، التي ورثها من الاستعمار الفرنسي".

داخل إحدى المصحّات النفسية التي كانت تعالج فيها، رحلت يمينة مشاكرة في صمت، بعد معاناة طويلة مع المرض. سقطت في سنواتها الأخيرة فريسة الاضطرابات النفسية وهي الطبيبة المتخصّصة. ذلك أنها عاشت أهوالاً أخرى، غير تلك التي كتبت عن تفاصيلها داخل المغارة أثناء الاستعمار الفرنسي. عاشتها بعد استقلال بلدها، سنوات التسعينيات، بكل مآسيها.

كتب ياسمينة خضرا يقول: "الموهبة لا تشعّ نوراً، بل تُحرق. لقد نسيها الجميع. هكذا عاشت يمينة مشاكرة في أواخر حياتها شاهدة على غرق سفينة، حاول أن يلوذ بها أصحاب الضمائر والمخلصون في هذا الوطن. اليوم تقبع يمينة جاثمة على ذاكرتنا المنكوبة".

المساهمون