هموم صغيرة

هموم صغيرة

14 مايو 2017
مقطع من لوحة "هجرة" لـ ضياء العزاوي/ العراق
+ الخط -

تأكل‭ ‬الزوجة‭ ‬حياتي‭ ‬وتطعمها‭ ‬للصغار‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يولدوا‭ ‬بعد
تأكل‭ ‬الزوجة‭ ‬المخيّلة،‭ ‬وتطعمها‭ ‬للصغار‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يكبروا‭ ‬بعد‭..‬
الحياة‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لإِطعام‭ ‬عائلةٍ‭ ‬مكوّنةٍ‭ ‬من‭ ‬شخصين
ومن‭ ‬أَطفال‭ ‬يبلغ‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬
أَربعين‭ ‬سعرةً‭ ‬حرارية‭.‬
‭ ‬
حياتي‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي
لنبحث‭ ‬إِذن‭ ‬عن‭ ‬حياةٍ‭ ‬مليئةٍ‭ ‬بالأَشجار‭ ‬والأَنهار
حياة‭ ‬أَكثر‭ ‬اتساعاً‭ ‬من‭ ‬موتنا‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬يكفي
لإِطعام‭ ‬عائلةٍ‭ ‬مكوّنةٍ‭ ‬من‭ ‬شخصين
يفكرّان‭ ‬في‭ ‬ملءِ‭ ‬أَرحامهم‭ ‬بعويل‭ ‬أَطفال‭ ‬لم‭ ‬يولدوا
ولن‭ ‬يولدوا‭ ‬
ما‭ ‬دامت‭ ‬المخيّلة‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭.‬

هل‭ ‬هذا‭ ‬يكفي؟
إذن‭ ‬لنبتعد‭ ‬بالمخيّلة‭ ‬عما‭ ‬يدور‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الداخل
لنبتعد‭ ‬بها‭ ‬عنّا‭..‬
ولنفكّر‭ ‬في‭ ‬إِمكانية‭ ‬أَن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬أَطفال‭ ‬كبار
يملؤون‭ ‬أَمعاءنا‭ ‬بالعويل
عويل‭ ‬أَطفال‭ ‬يريدون‭ ‬أَن‭ ‬يكبروا،‭ ‬ولو‭ ‬بالقوة
يريدون‭ ‬أَن‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬حياةٌ‭ ‬دسمةٌ‭ ‬مليئةٌ‭ ‬بالأَشجار‭ ‬والأَنهار
حياة‭ ‬يقفون‭ ‬عندها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يحرّك‭ ‬به‭ ‬أَبوهم‭ ‬مخيّلته‭:‬
1-‭ ‬يجب‭ ‬أَن‭ ‬يكون‭ ‬ثمة‭ ‬جدوى
2-‭ ‬يجب‭ ‬أَن‭ ‬يكون‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬العائلة
3-‭ ‬يجب‭ ‬أَن‭ ‬أًسدّ‭ ‬رمقها‭ .. ‬ولو‭ ‬بالقوّة
4-‭ ‬يجب‭ ‬أَن‭ ‬أَكتب‭ ‬عن‭ ‬كلكامش‭ ‬صاحب‭ ‬الملحمة‭ ‬المعروفة
‭..]‬لقد‭ ‬بحث‭ ‬كلكامش‭ ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬عشبةٍ‭ ‬يسدّ‭ ‬بها‭ ‬رمق‭ ‬خلوده‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬وجد‭ ‬العشبة‭ ‬حتّى‭ ‬تداركه‭ ‬الموت]
إِذن‭ ‬ليشبع‭ ‬بخلوده‭ ‬موتاً،‭ ‬كلكامش‭ ‬هذا‭..‬

حياتي‭ ‬ليست‭ ‬للأَكل،‭ ‬إِنها‭ ‬لي‭ ‬وحدي
ليس‭ ‬الماء‭ ‬وحده‭ ‬بل‭ ‬الأَشجار‭ ‬أَيضاً‭ ‬خرّبت‭ ‬حياتها‭ ‬هنا
منذ‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الميلادي‭ ‬والأَشجار‭ ‬تقف‭ ‬أَمام‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬طابور
ولا‭ ‬أَدري‭ ‬متى‭ ‬ستحصل‭ ‬هذه‭ ‬الأَشجار‭ ‬على‭ ‬حصّتها‭ ‬
من‭ ‬الشمس‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأَرض‭ ‬التي‭ ‬امتدّت‭ ‬جذورها‭ ‬بحيث‭ ‬يصعب‭ ‬التّنقل
يقول‭ ‬الراوي‭:‬
هناك‭ ‬شجرةٌ‭ ‬من‭ ‬أَشجار‭ ‬الجحيم‭ ‬العالية‭ ‬استطاعت‭ ‬أَن‭ ‬تهاجر‭ ‬إِلى‭ ‬ليبيا‭ ‬
حيث‭ ‬الجحيم‭ ‬هناك‭ ‬أَقلّ‭ ‬جوعاً‭ ‬من‭ ‬الجحيم‭ ‬هنا‭.‬
يقول‭ ‬الراوي‭:‬
هذه‭ ‬الشجرة‭ ‬ما زالت‭ ‬واقفة‭ ‬في‭ ‬طابور
تنتظر‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬الضوء‭..‬

أَبي‭ ‬من‭ ‬جهته‭ ‬يقول‭ ‬‮"‬الحياة‭ ‬بدعة"‬،‭ ‬إِذ‭ ‬على‭ ‬أَيامنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬وجود‭ ‬لهذه‭ ‬البدعة‭) ‬ويعني‭ ‬الحياة)
كان‭ ‬الناس‭ ‬يعيشون‭ ‬بالمخيّلة‭ ‬
‭- ‬وبالمخيّلة‭ ‬فقط‭ - ‬لهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬طابور
كان‭ ‬هناك‭ ‬إِلهٌ‭ ‬واحدٌ‭ ‬يأخذ‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬استدراج‭ ‬الناس‭ ‬إِلى‭ ‬الجنّة‭ ‬
المرفوعة‭ ‬أَصلاً‭ ‬لحماية‭ ‬الإِنسان‭ ‬من‭ ‬حاجاته‭ ‬البيولوجية‭ ‬الملحّة‭.‬
حدث‭ ‬ذات‭ ‬مرّة‭ ‬أَنّ‭ ‬‮"‬السّيد‭ ‬سروط‮"‭ ‬جاع‭ ‬فأَنزلَ‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬طبقاً‭ ‬من‭ ‬الجنّة
أَمّا‭ ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الطبق،‭ ‬فحدّث‭ ‬ولا‭ ‬حرج
الحياة‭ ‬إِذن‭ ‬بدعة‭ ‬بمنظور‭ ‬أَبينا‭..‬
وهي‭ ‬بدعةٌ‭ ‬حقاً‭ ‬ابتدعها‭ ‬طاغوت‭ ‬ليوقف‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬طوابير
الموت‭ ‬وحده‭ ‬الأَصل،‭ ‬فمنذ‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حياة‭ ‬
كان‭ ‬هنالك‭ ‬موت
الإِنسان‭ ‬ولد‭ ‬بالموت‭ ‬وهو‭ ‬يموت‭ ‬بالحياة
الموت‭ ‬وحده‭ ‬المستطرق‭ ‬الذي‭ ‬يمرّ‭ ‬كما‭ ‬السّابلة
الموت‭ ‬وحده‭ ‬الجميل‭ ‬هنا‭ ‬والمتوفّر‭ ‬بكثرة‭..‬
انظروا
إِلى‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬ماتوا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الميلادي‭.‬

المساهمون