وقفة مع نصر جميل شعث

وقفة مع نصر جميل شعث

11 مايو 2017
(نصر جميل شعث)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.


ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- يشغلني البحث عن لحظة خالية من هموم ومصاعب "معبر رفح"، لزيارة بيتي في خان يونس، زيارة لا تكلفني انقطاعاً طويلاً، بسبب مزاج المتحكمين بالناس هناك، عن مسؤولياتي تجاه حياتي الجديدة في بلاد الآخرين.
يشغلني تأخّر تسجيل ابنتي في فلسطين، هي التي حملتْ، أوّل ما حملت، جواز سفر نرويجيّا، لأني أحمله. أرغب في زيارة غزة، لأسجلها هناك وأضيفها في هويتي الفلسطينية الخضراء، واستخرج لها هوية، وأرى والدتي. هذا، في مجموعه، يندرج في هموم الهوية.


ما هو آخر عمل صدر لك، وما هو عملك القادم؟
- مجموعة شعرية عنوانها "خاطف الغزالة يتعثر بأعشابها"، صدرت لي صيف 2016، لدى دار "مخطوطات" في هولندا.
كنت سارعت إلى جمعها بعد نجاتي من حادث سير تعرضّت له في خريف 2015- شمال النرويح. سال دمي من رأسي وكُسرت يدي وجُرّح وجهي، وكان مسرح الحادثة، في مساء عاصف، هو خطّ المشاة.
لسبع سنوات كنت أعطي لنفسي فرصاً كريمة لقراءة التحولات في تجربتي، فأرجئ نشر كتاب، رغم غزارة كتابتي والثلوج والصمت الصميم في مكان يقع داخل دائرة القطب الشمالي. ببعض التعويضات المبدئية التي يضمنها لي التأمين، غطّيت تكاليف نشر المجموعة.
العمل القادم سيكون شعراً، أيضاً. لا أعرف، ربما هذه السنة، أو في السنة التي تليها. لا تزال قصائد كثيرة من سنوات مختلفة غير مجموعة.
لدي مساهمات واجتهادات نقدية نشرتها في دوريات وصحف عربية على مدى سنوات مختلفة، واجتهادات نقدية أخرى أعمل عليها بتؤدة. ولكنني، في كل مرة، أبدي قصوراً تجاهها، فلا نية قريبة في جمع شيء من هذا القبيل.


هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- الرضا يجلب الطمأنينة، والقلق شرط الإبداع. على صعيد كتابي الأخير، وبالنظر إلى الفترة التي أشرت لزمن كتابة القصائد فيها والواقعة ما بين 2011 و2015؛ قمت بعملية انتقاء محفوفة بوساوس وأسئلة يائسة في ليال عديدة: ماذا سأضيفُ، وكل ما سيقال قيل؟ حتى بعد نشره تمنيت لو استبعدت نصوصاً. هو أول كتاب أصدره وأنا خارج بلدي. حيث ربطت شبابي إلى سفري، وطفولتي إلى شعري؛ لأكون خادماً للشاعر فيّ ليظل يتناقض، يسخر، يأسى، يكتشف، يحب، يكره، ويطمئن إلى النزق وهو في طرقه المتقابلة إلى نفسه. في قصيدة من خارج الديوان الجديد كتبت:
بي استقرارُ القوارب في عرض البحر
ونكدُ الأطفال على كراسيّ الحلاقة.


لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- سأختار الشعر. الشّعرُ حقّي آخذُه بيدي ويأخذ بيدي. دخلتُ عالمَه واستعذبته. هل أصف البداية بسلوك طفل كان يدخل المرحاض والحلوى في فمه؟ ولكني سأتحلّى، كما دائماً، بغبطة من يكتبون روايات جيدة.


ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أنتظر وأريد أن يساعد العالم الكبير بمعضلاته نفسه، ليكون في علاقاته وقراباته بسيطاً ومميزاً بمفاجآت متجدّدة حدسية وروحية جميلة، كتلك العلاقات والقرابات التي تؤلفها كلمات قصائد الهايكو القليلة، والتي ليس في نيتي تقليدها.


شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أبو العلاء المعرّي، لأنه قال: "إذا اشتاقتِ الخيلُ المناهلَ أعرضَتْ عن الماء فاشتاقت إليها المناهلُ".


صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- يخطر على بالي، الآن، الفنان التشكيلي العراقي طه سبع، المقيم منذ أربعين سنة في مراكش. كان دعاني، أثناء إقامتي الموقتة في مدينة السبعة رجال، إلى جلسة صباحية في مقهى "فرح" الواقع، تماماً، مقابل سجن مراكش المحليّ ويدعي سجن "بولمهارز".
الجلسة الصباحية جمعتنا، مُجدداً، بالناقد والمترجم المغربي محمد آيت العميم.
في المقهى، ذاته، قرأتُ بعض قصائدي من "خاطف الغزالة يتعثر بأعشابها"، فأدمعت عيناه من تحت نظارته. لقد تذكّر حياة حميمة في العراق السابقة. وخيّم صمت سرعان ما قطعه آيت العميم بقوله لي بلغة عربية فصيحة: ماذا فعلت بالرجل؟ لقد أبكيته يا رجل! بعد مرور يومين التقينا، رفقة الناقد آيت العميم والكاتب المغربي سمير الوناسي، في المدينة القديمة، تجوّلنا في حي المواسين وحي القصور وفي "ساحة جامع الفنا".
قبل وجود الفنان العراقي سبع معنا، بساعات، كان قد وصله من بغداد خبر وفاة أخته، وقال لنا إنها بمثابة أمّه. قبل أن نسمع منه، بصوتِ أسيان لم يخفِ احتفاءَ صاحبه بالشعر الجميل، أبياتاً من قصيدة الشريف الرضي الشهيرة في رثاء أمه.


كتاب تعود إليه دائماً؟
- أحب العودة من حين لآخر إلى المعلقات، القرآن الكريم، قاموس اللغة العربية، آثار أبي العلاء المعري، سركون بولص، وليد خازندار.. وإلى كتب ترجمها جبرا ابراهيم جبرا، مثل كتاب "آفاق الفن" لالكسندر اليوت، الذي قرأته في غزة وكان أوّل كتاب اشتريته من بسطة في الجيزة المصرية سنة 2006، وحرصت في ثلاث رحلات جوية أن يكون معي.


ماذا تقرأ الآن؟
- اشتريت كتباً من مكتبات في مراكش، أُهديتُ وأعارني بعض الأصدقاء كتباً أخرى.
آخر كتابين لم أكملهما إلى الآن هما كتاب للناقد المغربي محمد مفتاح وعنوانه "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية: اللغة، الموسيقى، الحركة - الجزء الأول مبادئ ومسارات"، ولم أنته بعد من الثلث الأخير من رواية "الغابة النرويجية" لهاروكي مواركامي.


ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- فايزة أحمد وأبو بكر سالم.


بطاقة
: شاعر فلسطيني من مواليد خان يونس جنوب قطاع غزة سنة 1979. صدر له في الشعر: "شهوة الاسفلت" (2005)، "لأن قبعة التراب دخان" (2007)، "خلعوا الليل من الشجرة" (2011)، ومؤخرا "خاطف الغزالة يتعثر بأعشابها" (2016). كما صدر له في النقد كتاب بعنوان "كلمة يدي ليست ملكي" (2009). يقيم بين شمال النرويج ومراكش.


المساهمون