كتب عربية على ضفاف بحر البلطيق

كتب عربية على ضفاف بحر البلطيق

21 ابريل 2017
(من ساحة غوستاف أدولف في مدينة مالمو السويدية)
+ الخط -
من على صهوة حصانه الذي يتوسّط ساحةً تاريخية سُمّيت باسمه في مدينة مالمو، أقصى جنوب السويد، يُتابع غوستاف أدولف الثاني (1594 - 1632)، حركة المارّة، باندهاش ربّما. فالملك السويدي، الذي لُقّب بـ "أب الحرب" لتفوّقه في حروبه التي واجه فيها جيرانه الأوروبيين (إحداها استمرّت ثلاثين عاماً)، يرى حوله، الآن، أشخاصاً من خلفيات ثقافية مختلفة، وهؤلاء ليسوا سيّاحاً بالضرورة.

لا عجب، فهنا ستلتقي بمواطنين سويديّين قادمين، أو تنحدر أصولهم، من 175 بلداً. نصف سكّان هذه المدينة المطلّة على بحر البلطيق، والبالغ عددهم قرابة 400 ألف نسمة، هم من المهاجرين، ويشكّل العرب، لوحدهم، قرابة 15 % بالمائة من العدد الإجمالي. رقمٌ لا شكّ أنه في ارتفاع مضطرد مع موجات النزوح الأخيرة من سورية وبلدان عربية أخرى.

بإمكانك تلمُّس مظاهر الحياة والثقافة العربيّتَين في المدينة: مقاهٍ عربيةٌ في كلّ شوارعها تقريباً، أحدها يحمل اسم "أم كلثوم"، ولا مكان فيه لغير الموسيقى الشرقية التي يقدّمها فنّانون عرب. غير بعيد، ستجد الكثير من المكتبات التي تبيع إصدارات باللغة العربية. السينما العربية حاضرةٌ هي الأخرى، بل إن مالمو باتت تحتضن، منذ 2011، مهرجاناً خاصّاً بها.

ما الذي ينقص إذن؟ لعلّه السؤال الذي جمع عبد اللطيف حاج محمّد، وهو صحافي وكاتب سوري قدِم إلى السويد حديثاً، مع أربعة مهاجرين عرب آخرين؛ هم صحافيون وروّاد أعمال: علاء القط، وعلاء البرغوثي، ومازن الزيّات، وحازم أبو يونس. أمّا الإجابة فكانت: "معرضاً للكتاب العربي".

لم ينتظر الفريق طويلاً، وبدأ بتجسيد مشروع سيحمل اسم "معرض الكتاب العربي الأوّل في اسكندنافيا"، بالنظر إلى كونه الأوّل في السويد، والبلدان الاسكندنافية عموماً. هكذا انطلقت فعاليات الدورة الأولى من المعرض في قاعة "بالتيسكا هالن" وتستمرّ حتى الثالث والعشرين من نيسان/ أبريل الجاري، بمشاركة عشرين دار نشر عربية وأوروبية، تحضر بقرابة ألف عنوان، إضافةً إلى عددٍ من الكتّاب والباحثين العرب والأجانب.

في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، يقول حاج محمّد إن الفكرة جاءت في محاولةٍ لسدّ فراغ تعيشه الثقافة العربية في السويد: "إقامة معرض للكتاب العربي ضرورةٌ وليست مجرّد رفاهية، خصوصاً في ظلّ موجات النزوح الأخيرة. صحيحٌ أن ثمّة مكتبات تُوفّر كتباً بالعربية، لكن الخيارات تبقى محدودةً جدّاً بالنسبة إلى القارئ بهذه اللغة. كما أن أسئلة كثيرةً تأتينا من السويديين حول الثقافة العربية. ولعلّ الكتاب هو أفضل طريقة لتقديم أجوبة غير تقليدية عنها".

تبنّت المشروعَ "مؤسّسة ابن رشد التعليمية"، وهي منظّمة شبه حكومية تأسّست عام 2002، وتنشط في مجال الاندماج ومكافحة التمييز والعنف وتوضيح الالتباس القائم في المجتمع السويدي حول الجاليات المسلمة وثقافاتها. وباستثناء علاء القط الذي يعمل في المؤسّسة، فإن بقية فريق المعرض تعمل بشكل تطوّعي.

تقول المؤسّسة إنها تطمح، من خلال هذه التظاهرة الثقافية، إلى "تمهيد الطريق نحو تهيئة بنية مؤسّساتية واجتماعية من شأنها تعزيز الثقافة لتحقيق حرية التعبير وتعزيز ثقافة الاندماج في المجتمعات الاسكندنافية، واستحداث نماذج من التعاون والشراكة بين الناشرين العرب ونظرائهم الاسكندنافيّيين في حقلَي النشر والترجمة".

يعتقد حاج محمّد أن تنظيم معرضٍ للكتاب من شأنه تلبية حاجيات الجاليات الناطقة بالعربية في بلد مشبَع بالثقافة ويولى اهتماماً فائقاً بالكتاب والقراءة: "هناك 299 بلدية، وفي كلّ واحدةٍ منها مكتبة مركزية ومكتبات صغيرة. الكتب موجودةٌ بلغات مختلفة بما فيها العربية. غير أن المطلوب منك، كمهاجر، هو أن تكون جزءاً من هذا المجتمع من دون أن تتخلّى عن خصوصياتك الثقافية. لذلك، نحاول أن نكون همزة وصل بين السويدي والسويدي الجديد".

وعن معايير اختيار دور النشر المشاركة، يقول: "في بلد ديمقراطي كالسويد، ليس ثمّة معايير كتلك التي نعرفها في البلدان العربية. حرصنا على أن تكون جميع المجالات حاضرةً؛ الأدب والفكر والعلوم، وكتب المرأة والطفل، كما سيكون للكتب التعليمية نصيب بارز؛ من خلال سلاسل مدرسية خاصّة بتعليم العربية، بهدف تعزيز الثقافة واللغة العربيتَين في السويد".

يعترف حاج محمد أن "ضيق الوقت جعلنا نعتمد بشكل أساسي على علاقاتنا الشخصية مع الناشرين وصنّاع القرار الثقافي العرب. ولعلّ ذلك ما يفسّر غياب ناشرين من بلدان المغرب العربي، وهو ما سنحاول تفاديه في الدورات المقبلة".

من جهة أخرى، يشير إلى أن "السلطات السويدية وفّرت تسهيلاتٍ لإقامة التظاهرة، لناحية الجوانب الإدارية والتنظيمية وشحن الكتب وتوفير فضاءٍ للمعرض، كما أننا لمسنا أصداء إيجابية جدّاً من السويديين العرب، وغير العرب أيضاً، خصوصاً من الشباب".

تحضر في هذه الدورة عشرون دار نشر عربية وأجنبية؛ من بينها: "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، "والمؤسّسة العربية للدراسات والنشر"، و"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، و"المكتبة العربية في مالمو"، و"منشورات المتوسّط"، و"ناشرون" و"دار المتوسّط" و"دار الفكر"، و"مناهج العالمية"، و"جسور للترجمة والنشر"، و"دار الفكر"، و"دار القمر"، و"مسكلياني"، و"دار المشرق"، و"منتدى العلاقات العربية والدولية"، إضافةً إلى ستّ دور نشر من السويد؛ هي: "سندباد"، ونيبون"، وهيغاس"، وفيرس إيدوكايشن"، و"بوغسان".

على هامش المعرض، يُقام عدد من الفعاليات الثقافية التي تتوزّع بين الندوات الفكرية والقراءات الشعرية وجلسات البيع بالتوقيع، إضافةً إلى العروض المسرحية والموسيقية. في اليوم الأوّل، يقدّم الشاعر فرج بيرقدار قراءات شعرية، ويوقّع الروائي إبراهيم الجبين روايته "عين الشرق"، وتُقام جلسة نقاش بعنوان "الحب في الإسلام" بمشاركة من كلّ من جورج قدر وخلف علي الخلف.

وتقام في اليوم الثاني، بالشراكة مع "منشورات المتوسط" في إيطاليا، ندوة بعنوان "كيف أصبحتُ روائياً"، تتضمّن شهادات لروائيين عرب؛ هم: إبراهيم الجبين، ودنى غالي، وربعي المدهون، وزينب الكناني، وشاكر الأنباري، وفجر يعقوب، ومفيد نجم، كما تُنظّم ندوة حول "المرأة وأدب المهجر" بمشاركة كاتبات عربيات مقيمات في السويد؛ هن: أسيل العامري، وأزهر جرجس، ولميس كاظم، والكاتبة النرويجية لينا ستيلباري.

وتُقام في اليوم الثالث فعاليات متنوّعة؛ من بينها عرض في الرقص التعبيري تقدّمه "فرقة آرام للفنون الشعبية" السورية بإشراف عوني موعد، وفقرات خاصّة بالطفل، تتضمّن مسرح الدمى وقراءات كتب أطفال بالعربية والسويدية وعرض مسرحية عربية سويدية.

ويُخّصص اليوم الأخير للقراءات الشعرية التي يقدّمها كلّ من: عدي الزعبي، وربعي المدهون، وتمام هنيدي، وجلسات بيع بالتوقيع لكتب ملكون ملكون و"أدرينا لين" لـ غيّاث المدهون، و"مشاة نلتقي، مشاة نفترق" لـ رائد وحش، و"شامة على رقبة الطائر" لـ فجر يعقوب، و"مسامرات جسر بزيبز" لـ شاكر الأنباري، "أقراط مينا" لـ زينب الكناني، ولا تقصصي القصص يوم الأربعاء" لـ دنى غالي، و"كما لو أني نجوت" لـ تمام هنيدي، و"مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة" لـ ربعي المدهون، و"قارب إلى لسبوس: مرثية بنات نعش" لـ نوري الجراح، إضافةً إلى ثلاثية فوزي كريم النقدية: "القلب المفكّر" و"شاعر المتاهة وشاعر الراية" و"ثياب الإمبراطور". كما يشهد اليوم الأخير حفل إطلاق كتاب "ريح وأوراق" لـ عبّاس كيارستمي، بترجمة محمد الأمين الكرخي الذي يقرأ قصائد منه.

وطيلة أيام المعرض الأربع، يُقام معرض تشكيلي حول الملك السويدي كارل الثاني عشر (1697 - 1718) الذي لجأ إلى مدينة إسطنبول عام 1700 وعاش فيها فترةً، قبل أن يعود إلى بلاده ومعه حاشيةٌ من المسلمين واليهود الذين استقرّوا في السويد، وتركوا بصماتهم فيها إلى اليوم.

دلالات

المساهمون