لمن البرازيل؟

لمن البرازيل؟

31 مارس 2017
منيف عجاج/ سورية
+ الخط -

في سياق أحد الاحتفالات الصغيرة لعيد الشجرة، اعتبر مسؤول أن زراعة الأشجار معيار للوطنية، ولحبّ الوطن. بينما كان سياسي آخر يؤكّد في يوم آخر أن الوطنية تقتضي أخذ موافقة الحزب لزراعة الشجر.

وإذا ما تتّبعنا السياسيين، خاصة أولئك الذين في الحكم، أو أروقة السلطة، فإننا سنعثر على المئات من العبارات التي تحدّد الوطنية، بحسب المنفعة المباشرة، أو اليومية، لصاحب السلطة، ويصير الوطن ملكية خاصة.

الطريف أن يكون الخطاب الإعلامي قد رأى ذات يوم أن تدخين السجائر المصنوعة في "الوطن" مؤشر لقياس الوطنية. وقد شُنّت حملات صحافية تمّت فيها الدعوة إلى مقاطعة الدخان الأجنبي، وهي دعوة تتضمّن بالضرورة تشجيعاً ضمنياً لتدخين الأنواع المحلية التي تُوصف في هذه الحالة بأنها "وطنية".

والطريف أكثر أن الحملات الموازية للتوعية من أضرار التدخين، اعتبرت دائماً حملات توعية صحية، ولا علاقة لها بالمعايير المقرّرة للوطنيات المحلية. وقد استخدمت السجائر في الخطاب السياسي الداخلي للأحزاب السورية. وكان الأفراد المنتمون إلى أحزاب متنافسة، يستخدمون نوع السجائر التي يُدخّنها هذا الشخص أو ذاك، للتشهير بأفكاره، ونسبتها إلى الإمبريالية والاستعمار أحياناً، ووصمها بعدم النزاهة، وازدواجية الولاء. أو للتقليل من التزاماته الفكرية، وصدقه مع الذات. أو للتعبير عن وطنيته.

المفارقة الساخرة هي أن الأسواق في زمن الانفتاح الاقتصادي، بدأت تمنح كلمة "وطني" معاني جديدة. فصارت المنتوجات المصنوعة في سورية ترادف الرداءة، وتفتقر للمواصفات العالمية قياساً إلى مثيلاتها المستوردة. وفي هذه الحال يُمكن أن يتغيّر اسم المصنوعات من "وطنية" إلى "محلية". وتتوقّف حملات المواعظ التربوية، التي تنصح أبناء الشعب بشراء "منتوجاتنا". ويُعفى الصناعي من أي حساب. بمن فيهم أولئك الذين يُنتجون أغذية "وطنية" فاسدة.

هذا الأمر يمكن أن ينسحب على إنتاج السياسة نفسه. فهناك سياسات لاوطنية تُفبرك في الوطن أيضاً، ولكن يُرغم المواطنون على ابتلاعها. ومنها ما يؤدّي إلى إفقار الشعب، واستغلاله، وسرقة ماله، بحجة الدفاع عن الوطن.

وأكثر أشكال ادّعاء الوطنية قبحاً يظهر في هذه الحرب. حيث تفاقمت في السنوات الفائتة بورصة المشاركين في تأليف المعايير؛ المقاتلين والسياسيين والمعارضين والموالين ورجال الأمن والمهرّبين. ويستخدمها الحواة والسحرة وجنرالات الجيش والأتباع الأرانب، أكثر مما يتطرّق إليها المحبّون. وقد تتشبّع بالمعاني النبيلة، أو تكون مقدّمة للمشانق. فيدّعي كل من يُسيطر على رقعة من الجغرافيا السورية أنه يملك الوطن والتربية الوطنية. والأدهى من هذا أن بعض الأحزاب تكتب بلا حياء في منشوراتها وصفات جاهزة للوطنية.

ذات يوم جلست عجوز فقيرة ترشف القهوة وتقول: البرازيل لنا. وفي الوقت نفسه وقف أحد المديرين ليشرب نخب الاستيلاء على مصانع القهوة، ويهتف: البرازيل لنا. ويعلّق غاليانو الذي روى هذا: لا شك أن واحداً من الاثنين كان مخطئاً.

كان الطروسي بطل رواية "الشراع والعاصفة" لحنا مينة يقول: أنا وطني بلا فلسفة. بينما يمكن أن تكون الوطنية في قصّة "الأمير الصغير" لـ أكزوبيري هي الشوق لخروف وزهرة في كوكبه البعيد.

المساهمون