"حرية - مساواة - كرامة": استئناس بالتجربة الإسكندنافية

"حرية - مساواة - كرامة": استئناس بالتجربة الإسكندنافية

29 مارس 2017
محمد عبلة/ مصر
+ الخط -

شعارات كثيرة رُفعت في الشوارع والساحات العربية في السنوات الأخيرة، أغلبها تتقاطع في مطالب الحرية والعدالة، والتي يعتبرها البعض طوباوية من أجل القول باستحالتها. مقولة يحاول الباحث مراد دياني فحصها من خلال تجربة البلدان الإسكندنافية في كتاب صدر له مؤخراُ عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".

عملٌ بعنوان "حرية - مساواة - كرامة إنسانية: طوباوية العدالة من منظور النموذج الليبرالي الإسكندنافي"، وفيه ينطلق المؤلّف من تفكيك شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" الذي يمكن اعتباره ملخّصاً لشعارات الانتفاضات الشعبية الأخيرة، أي أنه يُوجز "يوتوبيا ميدان التحرير".

من خلال عرض النموذج الإسكندنافي وتحليله في هذا الكتاب، يهدف دياني إلى استلهام بعض عناصره غير الملتصقة بالسياق الذاتي لدول الشمال، ما يتيح كشف "واقعية اليوتوبيا العربية المعاصرة المتجسّدة في رفع مبادئ الحرية والمساواة والكرامة بوصفها شعاراتٍ موجّهة للحراك الاجتماعي الشعبي والثقافي، ومن جهةٍ أخرى من أجل السعي إلى تمثّلها المعياري في سياقات ظرفيةٍ واقعية تنأى عن النموذجين الاشتراكي والرأسمالي اللذين ما فتئا يعطيان الدلائل والقرائن على إخفاقهما المزمن في إرساء قواعد التفاعل الاجتماعي والاقتصادي والبيئي المتسق والمستدام".

في القسم الأول من عمله، يطرح دياني سؤال حقيقة وجود نموذج إسكندنافي مميّز وقائم بذاته، من خلال فحص اقتران النجاعة الاقتصادية بالمساواة الاجتماعية والاتساق البيئي، ويُعيد تبلور ذلك إلى ما يسمّيه بـ"الأسس العميقة للنموذج الإسكندنافي: اللوثرية والحس المدني والمجتمع الأفقي". في نهاية هذا القسم، يدرس المؤلف آفاق توطين النموذج الإسكندنافي في السياق العربي.

في القسم الثاني، "استيحاء النموذج الإسكندنافي في شقّه المعياري - منظور الديمقراطية الجوهرية"، يشير دياني إلى أن النظريات المعيارية والمشروعات المجتمعية القائمة في العالم العربي تظلّ تفتقر اليوم إلى الرؤى التقدّمية الواضحة لما يمكن أن تبدو عليه الديمقراطية الحديثة، بينما تبدو قيم التجارب الإسكندنافية ومبادئها قادرة على خلق مثل هذه الرؤية.

تحمل خاتمة الكتاب عنوان "طوباوية واقعية" حيث يعتبر أن اليوتوبيا ليست تخيّل مجتمع سعيد ينحو إلى الكمال، بل هي في المقام الأول التملّص من الواقع، من ثقله وتحجّره، فاليوتوبيا لها بالدرجة الأولى وظيفة رفع وزن الواقع أو ما يُقدّم على هذا النحو. يربط دياني في الأخير بين يوتوبيا البلاد الإسكندنافية وطوباوية التحرير المتبلور في شعاراتها باعتباره بداية الوصال إلى للمستقبل العربي المرتجى.

المساهمون