عاصمٌ بشري

عاصمٌ بشري

21 مارس 2017
فريد بن يحيى/ تونس
+ الخط -

يبدو "مجتمع الاستهلاك" النموذج النظري الأبرز - وربما الأدق - في تمثّل المجتمعات المعاصرة، مهما كانت مواقعها الجغرافية والتاريخية (شرق/ غرب، شمال/ جنوب).

فقد تعاونت كل القوى تقريباً في فرض نموذج "مجتمع الاستهلاك"، من الاقتصاد إلى السياسة (الداخلية والدولية)، مروراً بالتقنية والفنون، وسرّعت تعميمه ضربات التاريخ المتعاقبة (استعمار، سقوط القطب الاشتراكي، العولمة وحروبها..)، وحتى نوازع النفوس البشرية لم تبخل بالدفع نحوه.

هل أن "مجتمع الاستهلاك" هذا أخلاقي؟ يصعب الرد بالإيجاب، وقد تميل الإجابات إلى القول بعكس ذلك، ما ينتج أمامنا إشكالية: "كيف نكون أخلاقيين في محيط غير أخلاقي؟".

بالعودة إلى قرون إلى الوراء، والعودة أيضاً إلى مصطلحات تلك العصور، فإنه يمكن صياغة نفس التساؤل بـ "كيف يمكننا أن نكون فاضلين في غياب مدينة فاضلة؟"، وهي مسألة طرحها ابن باجة في "تدبير المتوحّد"، محاولاً قطع الطريق أمام المتملّصين من الشرط الأخلاقي للسكن في هذا العالم.

رهان ابن باجة لا يمرّ إلا من قرار ذاتي واشتغال مثابر من مجموعة "المتوحّدين"، قد يبدو معه مستحيلاً تحقيق "اليوتوبيا"، ولكنهم في المقابل ينجحون دائماً في قطع الطريق أمام "دستوبيا" مطلقة. ومن وراء ذلك تظل المحاولات النظرية عاصماً بشرياً أمام سقوط أخلاقي معمّم، حين تنتج مثالاً أو تتوقّع مهالك فتحدّ من سرعة السير إلى الهاوية.

المساهمون