بكّار غريب.. مع غرامشي في تونس

بكّار غريب.. مع غرامشي في تونس

13 مارس 2017
(غرافيتي لغرامشي في روما، تصوير: ألبيرتو بيتزولي)
+ الخط -

غالباً ما تظلّ المؤلفات الاقتصادية على هامش الحياة الثقافية، فهي تُكتب عادة لمتخصّصين هم وحدهم المؤهّلون لمناقشتها. لا ينطبق ذلك كثيراً على آخر مؤلفات أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية بكار غريب؛ "التفكير في الانتقال مع غرامشي.. تونس 2011 – 2014" (منشورات "ديوان"، بالفرنسية، يناير 2017)، والذي جرى تقديمه في مقر مؤسسة "روزا لوكسمبورغ" في تونس العاصمة الجمعة الماضي.

في بداية كلمته، تحدّث المؤلف عن التجاوب الذي حظي به كتابه الجديد: "فوجئت بهذا الاهتمام بكتاب اقتصادي"، وهو ما يفسّره بالقول: "يبدو أن هناك نزعة غرامشية كامنة فينا".

يشير الاقتصادي التونسي بأنه من خلال "التفكير مع غرامشي" حاول أن يخلّصه من رمزيته كمناضل وشهيد ويعيده إلى وضع المفكّر. غير أن التفكير مع غرامشي ليس من السهولة بمكان، ذلك أن أُسس العالم الذي عاش فيه المفكر الإيطالي قد تقوّضت، من ثورات وطبقات وسياقات، وحتى النظرية الشيوعية التي كان يعمل في إطارها تغيّر شكلها ومضمونها. هنا تبرز إشكالية عمل بكّار غريب: "كيف يحافظ غرامشي على راهنيّته اليوم؟".

سياق الأزمة هو ما يجعل غرامشي دائم الراهنية، وقد كتب في مقدمة عمله: "عاش صاحب "دفاتر السجن" في سياق تاريخي قليل الشبه بسياقنا لكنه مفكّر الانتقال، ومفكّر الأزمة، والثورات غير المكتملة، وربما الثورات المهزومة" ليتحدّث لاحقاً على عدم توقف غرامشي عند ملاحظة الهزائم بل تخطى ذلك نحو تأملها وهو ما تمخّض عن "نظرية سياسية" و"نظرية ثورة" كانت تفتقر إليهما الماركسية.

يؤكّد غريب أن عمله ليس تعريفياً بغرامشي بقدر ما هو استعمال لثلاثة مفاهيم وتطبيقها على الوضع التونسي (الهيمنة، الثورة السالبة، الكتلة التاريخية). بين 2011 و2014، يرى غريب أن الأزمة في تونس كانت أزمة "هيمنة" فالعلاقات السياسية قد ضُربت، ولم يعد المحكومون يقبلون بالحاكمين، وهو ما يعتبره وضعاً ناتجاً عن عدم القدرة على إعادة بناء "هيمنة"، والتي يحدّدها هنا بالمعنى الذي أشار إليه لينين بكونها تأتي نتيجة لإيجاد الحلول.

لتوضيح طروحاته، يقدّم الأكاديمي التونسي مقارنة بين مرحلتين؛ مرحلة الثورة ومرحلة بناء الدولة عقب الاستقلال، والتي يتساءل بخصوصها: كيف بنى بورقيبة هيمنته؟ ليضيء على المفهوم الثاني الذي استعاره من غرامشي، "الثورة السالبة"، وهي مسار إصلاحات غير موجّهة من الدولة. 

في حالتي 1956 (الاستقلال) و2011 (الثورة)، يرى غريب أن عملية التغيير لم تكن نابعة من المجتمع؛ في الأولى كانت الدولة محرّكتها وفي الثانية أتت بصفة عفوية من الشارع، أي أن المجتمع كان مجرّد متقبّل في الحالتين.

ما يلفت في مقاربة غريب واستعارته لأدوات غرامشية هو الإشارات التي يمكن التقاطها لإضاءة ما حدث في تونس، كتساؤله: "هل يمكن أن يحدث تطوّرٌ مع إعادة إنتاج نفس عناصر الهيمنة القديمة؟" أو إشارته إلى "وضعية تكون فيها تغييرات كثيرة بحيث لا يتغيّر شيء في الأخير".

المساهمون