جيرة متلعثمة

جيرة متلعثمة

03 فبراير 2017
("تلوث النهر"، إيتيل عدنان)
+ الخط -

لم تنج العلاقة بين الثقافتين العربية والتركية من تأثيرات السياسة ومتغيّراتها منذ أن حكَمت أول سلالة تنتمي إلى الشعوب التركية بلداناً عربية ممثّلة بالدولة السلجوقية، ويحضر هنا أحد الأمثلة الاستثنائية في التاريخ بأن يستعير الحاكم (الأتراك) أبجدية المحكوم (العرب) لتطوير لغته.

كان لذلك مقدّماته التاريخية، حيث توسّعت الخلافة الإسلامية منذ القرن السابع لتشمل أجزاءً من بلدان آسيا الوسطى (التي تسكنها غالبية تركية) وأخضعت جميع مدنها في القرن التالي، ومنذ ذلك الوقت ابتدأ التأثير العربي/ الإسلامي حتى بلغ ذروته حين كتب غالبية الشعراء والأدباء الترك بالعربية ما بين القرن الحادي عشر وحتى بدايات نشوء السلطنة العثمانية (أطول حكم تركي لمعظم مناطق العالم العربي).

يشير الدارسون إلى أسباب موضوعية في غلبة العنصر العربي على هذا التلاقح الثقافي، لأن الأبجدية العربية تعدّ متطوّرة في ذلك الوقت قياساً بنظيراتها التركية (عشرات اللغات واللهجات تحدّثت فيها قبائل امتدّت من غرب الصين حتى أواسط آسيا) التي وُضعت أولى أبجدياتها في القرن السادس، إلاّ أنه لا يُمكن إنكار فرْض السلطة لغتها وثقافتها على الشعوب التي حكمتها.

في سياق طويل من تشابك الهويّات وصراعها على السلطة في هذه المنطقة، بدأ الأتراك يكتبون بأبجديتهم (التي تستخدم الحرف العربي) في القرن الثالث عشر في سعي لتأسيس هوية تركية إسلامية مستقلّة، وعقب ذلك بحوالي قرنين أصبحت الغلبة للعامل التركي في تشكّل ثقافة الشعوب التي حُكمت من قِبل العثمانيين، وتجلّى ذلك في المطبخ والعمارة والأزياء والموسيقى وفي اللغة طبعاً.

شكّل عام 1928 ذروة التنافر التركي/ العربي إثر تداعيات سقوط الدولة العثمانية، حين قرّر أتاتورك استعمال الأبجدية اللاتينية، وخلال شهور قليلة أُبدلت الغالبية الساحقة من المفردات العربية بأخرى استعيدت من التركية القديمة أو من لغات أوروبية، لتكتب بحرف لاتيني.

فقدت اللغة التركية آلاف الكلمات نتيجة تلك العملية القسرية، حتى أن المفردات التي تدلّ على الألوان - كما تلاحظ إحدى الكاتبات التركيات- أصبحت قليلة مقارنة بما كانت عليه في التركية ذات الحرف العربي.

"الرؤية بالألوان" هي ما تحتاجه كلّ من العربية والتركية، في محاولة للتصالح بينهما حتى يتمكّن أبناؤهما من التعرّف إلى ثقافة الآخر بعيداً عن قيود السياسة وتوظيفاتها، ومن دون اللجوء إلى ذائقة وعين الأوروبي –حصراً- لتقييم ما تنتجه كلا الثقافتين.

المساهمون