في الفقاعة الزرقاء

في الفقاعة الزرقاء

24 فبراير 2017
("مؤثرون"، شيلبي ماكلكين/ أميركا)
+ الخط -

الفيسبوك فقاعة، يقول لي أحد الأصدقاء. فقاعة زرقاء ضخمة جميلة مسليّة، ترتدّ أصواتنا على سطحها الداخلي الأملس.
نردّد أشياء كثيرة، نصدقها، نؤمن بها، وقد يأتي يوم نموت من أجلها.
***

يسألني صديقي عن علاقة ما يحدث داخل الفقاعة بالواقع خارجها. ليس فقط في السياسة، بل في الأدب والحب والفلسفة والصداقة والموت والحرب...
يسألني عن حقيقة الأصابع التي تختبئ خلف الكلمات. عن علاقة الصور بما يحدث خلفها (هل رأيتَ أحداً يضع صورة شخصية، يبكي فيها بدل أن يبتسم؟)
***

الخطوة الأولى، أن ندرك ونعترف أننا في فقاعة. بعد ذلك تصبح كل الأسئلة مشروعة. كأن نتساءل عن القرابة بين الحقيقة خارج الفقاعة، والحقيقة التي نرسمها على هوانا، بأقلامنا، داخلها.


الفقاعة تلمع في الليل، وفي النهار تعكس وجوهنا الوحيدة.
في الفقاعة، نمدّ أرجلنا، ندخن، ونغني بصوت عال نشاز في معظم الأحيان.
لكن الفقاعة جميلة ومريحة ودافئة.
***

الذين خارج الفقاعة ينقلبون على ظهورهم من كثرة الضحك وهم يَرَوننا كيف نتخاصم ونتقاتل ونعلن آراءنا بكل ثقة وبشكل قاطع داخل الفقاعة. كيف نخسر أصدقاء داخل الفقاعة. كيف يمكن أن نمرض أو أن نُقتَل، وقد نعلن الحرب... داخل فقاعة.
يضحكون ويضربون يداً بيد كلّما رأوا أفواهنا مفتوحة على آخرها داخل الفقاعة. يصرخون، يلوّحون بأيديهم، ويطالبوننا بالخروج إليهم، إلى العالم حيث يمكن للجرح أن ينزف دماً حقيقياً، وللصفعة أن ترسم على الوجه أصابع حمراء. لكننا لا نسمعهم. جدران الفقاعة صمّاء. الأصوات لا تدخل إليها ولا تخرج.
لكن الفقاعة جميلة وساحرة ولونها الأزرق يبعث على النعاس.
***

ليست الأذن فقط. بل حواس كثيرة تعطب داخل الفقاعة. هنا، لا نشمّ سوى رائحة الصابون.
والغبش الذي يغطّي جدران الفقاعة يحرّف الرؤية.
هنا، لا نلمس سوى برودة وحدتنا المترسّبة في قعر الفقاعة.
***
كيف كان يعيش البشر في الماضي من دون هذه الفقاعة؟
صديقي الطبيب قال لي إن الفقاعة تحمي من الاكتئاب، وحتى الانتحار.
وإننا يجب أن نبقى دائماً على مسافة غير بعيدة من الفقاعة، كي نلتجئ إليها إذا لزم الأمر.
قلت لصديقي، إنه واجب إنساني أن ننخز الفقاعة ونثقبها. نهرني وحذرني من فعل طائش كهذا. يجب أن نتصالح مع الفقاعة، قال. يجب أن نتصالح مع كل الفقاعات حتى لا ينفجر العالم. الرسل والفلاسفة والعلماء والعشّاق كانوا يعيشون جميعاً في فقاعة. كل ما هنالك أن هذه الفقاعة هي الأجمل حتى الآن والأكثر خفّة.
هذه الفقاعة الزرقاء الساحرة التي تبعث على النعاس.
هذه الفقاعة التي علينا، منذ الآن، أن نشتري وروداً بلاستيكية ونجهّز على جدرانها قبورنا الجميلة.

دلالات

المساهمون