"سادة البشر".. العنصرية ابنة الاستعمار

"سادة البشر".. العنصرية ابنة الاستعمار

12 ديسمبر 2017
(فيكتور كيرنان)
+ الخط -
في النصف الثاني من القرن العشرين ظهرت بضعة محاولات لإعادة موضعة الإمبراطورية البريطانية في السياق التاريخي وقراءتها، وانقسمت هذه المحاولات إلى تياري اليمين واليسار، الأول حاول جهده إزالة ما لحق بسمعة الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس جراء عنفها واستغلالها للشعوب التي استعمرتها، فزعم أن الاستعمار البريطاني جلب معه التقدم والحضارة وأن هذا الهدف التنويري كان جوهر المشروع التوسعي.

أما التيار الثاني فيمثله المؤرخون الماركسيون ومن بينهم المؤرخين الإنكليزيين الأكثر تأثيراً إريك هوبزباوم (1917-2012) وفيكتور كيرنان (1913-2009) الذي قام، بحسب الناقد دومينيك ألكسندر بمسح شامل للاتجاهات التي اتخذتها الإمبريالية الأوروبية والأزمات التي سببتها في كل منطقة وطئتها وما زال العالم يعيش نتائجها، وكان هذا المسح في كتابه المرجعي "سادةُ البشر، المواقف الأوربيّة من الثقافات الأخرى في العصر الإمبريالي"، الذي ترجمه معين الإمام مؤخراً وصدر عن "منتدى العلاقات العربية" في الدوحة.

الكتاب يتناول العلاقة بين المفاهيم الثقافية والأيديولوجيا، ويكشف الفظائع التي ارتكبها الاستعمار الأوروبي، بل وينقض بالتفصيل حجج المؤرخين والمفكرين اليمينيين المدافعين عن حقبة الاستعمار.

وضع كيرنان أطروحاته في عشرة فصول كل واحد منها يتناول بلداً أو منطقة عاشت ويلات الاستعمار، والممارسات التي اتبعت فيها، الأول هو المقدمة ثم تتوالى الفصول؛ "الهند"، و"مستعمرات أخرى في آسيا"، و"العالم الإسلامي"، و"الشرق الأقصى"، و"أفريقيا"، و"البحار الجنوبية"، و"أميركا اللاتينية"، ثم الفصل الأخير وهو الخاتمة واستنتاجات الكاتب.

نشر كيرنان عمله هذا أول مرة في عام 1969، وكان له تأثير كبير على جيل من المؤرخين ونقاد الثقافة، الذي استند فيه مؤلفه إلى مجموعة واسعة من المصادر، بما في ذلك مذكرات المبشرين، رسائل من زوجات الدبلوماسيين، يوميات المستكشفين، إلى جانب أعمال أدبية وفلسفية لأدباء ومفكرين من بريطانيا وفرنسا، من بينهم فولتير، ووليام ثاكيراي، وجيمس غولدسميث، وروديارد كيبلينغ.

يقدم كيرنان وصفاً عميقاً ودراسة للمواقف الأوروبية من الشعوب الأخرى بدءاً من عصر إرسال المستكشفين وصولاً الحقبة الاستعمارية، ويرى أن أوروبا لا تزال تعيش وفق هذه المواقف التي أصبحت أكثر تعقيداً اليوم رغم تعدد الثقافات في القارة العجوز. يرى الكاتب أن التجار والرحالة الأوروبيين عادوا إلى بلادهم بكثير من الحرير والتوابل والقطن والشاي، وأكثر من البضائع عادوا بانطباعات معادية للشعوب الأخرى ومزدرية لها.

يرى المؤرخ أن العنصرية اليوم ليست إلا الوريث الشرعي للإمبريالية، ويقارن بين نظرة الإعجاب التي كان يحملها مفكرو التنوير الأوربيين للهند قبل الاستعمار، والتي تحولت شيئاً فشيئاً بعد غزو الهند إلى ازدراء. واعتبرت العادات البربرية، كما كانت توصف، عند شعوب جنوب الأرض مبرراً "إنسانياً ومشروعأً" لغزوها.

المساهمون