خبيئة علي رضا: المنسي من تاريخ الكوميكس المصري

خبيئة علي رضا: المنسي من تاريخ الكوميكس المصري

11 ديسمبر 2017
من رسومات علي رضا
+ الخط -

الصدفة وحدها قادت الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة لاكتشاف أعمال أحد الآباء المؤسسين لفن الرسوم المصوّرة "الكوميكس" في مصر، وهو الفنان علي رضا أو "الفنان العبقري/ المجهول" كما يصفه عبلة، الذي يروي القصة لـ "العربي الجديد" قائلاً: "في نهاية العام الماضي، اتصل بي صديق من تجار الكتب القديمة وقال لي عندي "بيعة" ممكن تكون مهمة بالنسبة لك"، ويوضّح أن التاجر لم يكن يعرف القيمة الكبيرة للأوراق التي معه، لذلك فقد رغب في بيعها دفعة واحدة "مشترطاً أن أشتري كافة الأعمال وليس بعضها في حال إذا ما أعجبتني".

يتابع محمد عبلة: "عندما وصلتُ وجدت حقيبتين تحويان مجلات ورسومات ومخطوطات لفنان لم أسمع به من قبل يدعى علي رضا، كانت معظم الأعمال بحالة جيدة، وبمجرّد الاطلاع عليها، وجدتني أمام فنان من طراز خاص، وتعجبّت كيف لم يصل لنا فنّه حتى الآن، هاتفت أكثر من صديق ووجدتهم لا يملكون سوى معلومات قليلة عنه". يشير عبلة إلى أنه طوال العام الماضي عمل على تتبع سيرته ومحاولة التعرّف على رحلته من خلال أوراقه الشخصية وأعماله التي حصل عليها.

تخبرنا أوراق علي رضا التي عرض جزء منها ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان "أسبوع الكوميكس في مصر" التي اختتمت في القاهرة أول من أمس، أنه ولد عام 1908، لعائلة نوبية الأصل، ودرس الهندسة والفنون وعمل في الشؤون الهندسية بوزارة الأوقاف، وكان من أبطال ألعاب القوى ومن مؤسسي نادي المعادي الرياضي، كما كان عاشقاً للسفر والترحال.

تعكس الصورة الوحيدة المنشورة له بالمعرض هذا الشغف بالرياضة والترحال، إذ يظهر مرتدياً ملابس الكشافة، حاملاً فوق كتفه عصا، وخلفه بحيرة وأعشاب، ويبدو أشبه بشخصية طرزان التي رسمها في كثير من أعماله.

يشير عبلة إلى أن أعمال علي رضا تؤكّد أننا أمام شخصية استثنائية ومتعددة المواهب، فقد علّم نفسه كتابة الخط وألّف كتاباً عن التشريح وكرّاسات لتعليم الفنون والزخرفة، ورسم أغلفة المجلات الثلاث التي كانت تصدرها جماعة "الإخوان المسلمين" في بدايتها، كما أسّس مجلات في فن الكوميكس خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات، من أبرزها "الغلباوي" و"الخبر"، و"المصيدة" و"الأيام" و"البغبغان"، وكان أول من رسم بمجلة "سندباد" التي أصبحت لاحقاً تابعة لـ"دار المعارف" وتغيّر اسمها إلى "السندباد".

تُظهر أعمال رضا مدى تفرّده ونبوغه المبكر، فهناك أكثر من عمل يحمل تاريخ عام 1925، ما يعني أنه بدأ ممارسة فن الكوميكس وهو ما زال طالباً في المدرسة "الخديوية" الثانوية، وركّزت هذه الأعمال على رصد بعض المفارقات المضحكة داخل المدرسة، ثم طوّرها بعد ذلك من خلال شخصية "عبد الجبار" المدرّس في إحدى المدارس الداخلية التي تستلزم إقامة المعلمين والطلاب معاً على مدار الأسبوع.

يوضّح عبلة أن "أكثر ما يميّز أعمال علي رضا وتجربته، هو سعيه المبكر لتأسيس مدرسة مصرية في فن الكوميكس، من خلال الشخصيات المصرية التي ابتكرها مثل "فلحس أفندي" و"سفروت" و"أستاذ عبد الجبار"، وهذه الشخصيات أعيد استنساخها بصور مختلفة في أعمال فنانين بعد ذلك من دون أي إشارة إلى صاحبها الأصلي".

على الرغم من رحيل علي رضا عام 1982، إلا أنه، وفقاً للمعلومات التي قدّمها الفنان محمد عبلة، قد توقف عن رسم الكوميكس عام 1952 من دون أسباب واضحة. يقول عبلة "أعتقد أنه تعرض لحادثة، فقد نشرت الصحف المصرية في تلك الفترة خبراً عن حادثة كبيرة، بسقوط سيارة مهندس شاب من أعلى جبل المقطم، وظن الناس أنه توفي، لكنه بقي بعد ذلك على قيد الحياة، واستمر حتى سبعينيات القرن الماضي يصمّم الغلاف الخارجي والرسومات الدعائية لفرقة الموسيقى العربية".

ولدى سؤال عبلة عن محاولته التواصل مع أسرة الفنان الراحل لمعرفة مزيد من المعلومات، أكد أنه لم يحصل على أية معلومات عنهم، وعندما ذهب لعنوان بيته في المعادي وجده قد تحوّل إلى عمارة ضخمة، وأضاف: "الأوراق تشير إلى أنه كان له ابن وحيد، ولعل أحد أحفاده هو من قام بالتخلّص من تلك الأوراق، من دون أن يعرف قيمتها".

ودعا عبلة جمهور المعرض وعشاق الكوميكس وأي شخص يملك معلومات عن الفنان علي رضا إلى المساهمة بها لتنشر ضمن مشروع كتاب توثيقي سوف يصدر قريباً يضم أبرز أعماله ويؤرّخ لمسيرته الفنية.

من جانبه، قال محمد البعلي، مؤسس مهرجان "أسبوع الكومكيس في مصر"، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أعمال علي رضا تعيد التأريخ لفن الكوميكس في مصر من جديد، فبينما تشير معظم الكتابات التي تؤرخ لفن الكوميكس إلى فترة الخمسينيات من القرن العشرين باعتبارها بداية ظهور فناني الكوميكس المصريين، إلا أن أعمال علي رضا تؤكد على وجود تجربة ظهرت منذ بدايات القرن العشرين ولم يتم التأريخ لها".

يضيف: "الأمر المثير بشدّة في أعمال رضا - إضافة إلى تميّزها الفني - هو تنوّعها بين الأعمال الموجّهة إلى الكبار والصغار، وبين الأعمال السياسية والاجتماعية، كل ذلك يؤكد لنا أنه حلقة مهمة في تاريخ فن الكوميكس بمصر".


في غياب مؤرّخي الفن
ليس الرسّام المصري، علي رضا، أو فن الكوميكس برمّته، استثناء حين تغيب عملية التأريخ المنهجي، في مصر وفي غيرها من البلاد العربية. إذ توجد أجناس فنية كثيرة بقيت في الظل ولا تزال تنتظر قراءة تاريخية شاملة، من النحت إلى القصة المصوّرة وغيرها، ولا تزال نظرة الجمهور إليها تحكمها اعتبارات وتقييمات شخصية أكثر من نظرة واسعة تركيبية لمسارات تطوّر هذه المجالات. 

دلالات

المساهمون