يخيّل لي

يخيّل لي

17 أكتوبر 2017
فريناند ليجيه/ فرنسا
+ الخط -

يخيّل لي أن الإنسان الأوروبي فقد علاقته أو كاد بفكرة "المطلق".

أراهم دوماً مشغولين باليومي، وبكل الأمور المباشرة قصيرة الأمد. لا يعنيهم شيء خارج ذواتهم، والمحيط اللصيق بهم.

فإن نَقَحَ عليهم ذلك المُطلق، أو أصداءٌ غامضة من تجلياته الشتى، تداعوا للشراب وتدخين المُغيِّبات، أو السفر نحو المختلف، أو تجربة عشق أخرى، إلخ.

ولئن أمكن تتبّع أول غياب لهذا المطلق، منذ دُشّنَ عصرُ الصناعة لديهم، قبل قرون، فإن الحاضر هو ما يعنينا، لا التاريخ، وبما أننا نمتح من رحيق تجربة، لا من تجريدات قرائية، فإنّ ما يُرى نهارياً وليلياً هنا، لجالبٌ للكآبة.

فكيف استطاعت هذه الرأسمالية، عبر تاريخ تطوّرها المتصاعد، أن تنمّط مئات الملايين من البشر، وتصهرهم في قالب يكاد يكون واحداً مع رتوش اختلاف طفيفة؟

في أي مختبر شيطاني صنعوا هذه الآلاف التي نراها ونحتك بها يومياً وسط المدينة؟

أهذا حصاد العقلانية الأوروبية حقاً، أم هو أزمتها؟

أمس استوقفتني صبية، تسأل عن معبد هندوسي في المنطقة. وليس نادراً أن ترى في الحدائق جماعات تمارس لا اليوغا والتأمل، وإنما أشياء غريبة عجيبة.

أظنها علامات حنين إلى أزمنة أولى، إلى مطلق قد يكون مقدساً أو مدنساً. علامات يمارسونها لزمن قصير، ثم يعودون لما هربوا منه: استلاب العقل. هذا العقل الامتثالي الذي يحصر حياتهم بين مكان العمل وبوابة التسوق، وسرير الحلم بالإجازات.

فإن لم يكن كل هذا هو النمط، فما هو النمط؟



المساهمون