سرّ أمير السلام

سرّ أمير السلام

10 أكتوبر 2017
أرمين فاهرَميان، زيت على ورق
+ الخط -

لا تختلف آلية الحلم في الحضارة الغربية بصورة جوهرية عن آليات الحلم عند الشعوب الأخرى. وحده الإلمام بالظروف العملية هو ما نحتاجه لاختراق ألغازها.

في الحالة التي أمامنا، ثمة بالفعل القليل من الخيارات العملية للاختيار منها. وسوف يكون أكثرها ملاءمة هو ما إذا كان تأريخ كهنوت يسوع خاطئاً- إذا كان من الممكن تبيُّن أنّ يسوع لم يبدأ بتحريض أتباعه اليهود على حبّ الرومان حتى بعد سقوط القدس. لكنَّ خطأً لا يمكن تصوُّره وقع واستمر أربعين عاماً في التسلسل الزمني التقليدي للأحداث مثل ثورة ضرائب يهوذا الجليل أو الحاكم بيلاطس البنطي.

ومع أننا لا يمكن أن نكون على خطأ فيما يتعلق بـ"متى" تكلّم يسوع، فثمة كثير من الأسباب تدفعنا للافتراض أننا على خطأٍ بخصوص ماذا تكلم. إنّ الحلّ العمليّ البسيط للأسئلة التي طُرحت في ختام الفصل السابق هي أنّ يسوع لم يكن مسالماً بالقدر الذي شاع اعتقاده، وإنّ تعاليمه الواقعية لم تمثِّل انقطاعاً جوهرياً عن تقليد الخلاصية- الحربية اليهودية.

وربما تخلّل كهنوته الأصلي مؤيدون لقطاع الطرق الأقوياء ومنحازون ضد الرومان. لعلّ القطيعة الحاسمة مع تقليد الخلاصية اليهودية جاء بالضبط بعد سقوط القدس، عندما استشرى المحتوى الأصلي الحربي- السياسي لتعاليم يسوع بوساطة المسيحيين اليهود القاطنين في روما وغيرها من مدن الإمبراطورية كاستجابة تتلاءم والنصر الروماني. هذه هي الحُجّة التي سأستخدمها، جزئياً على الأقل، لكي أربط تناقضات المسيحية المسالمة بمجريات القضايا البشرية الواقعية.

توحي الاستمرارية بين تعاليم يسوع الأصلية والتقليد الخلاصي الحربي بالصلة الوثيقة القائمة بين يسوع ويوحنا المعمدان. ذلك أن يوحنا المعمدان، بارتدائه جلود الحيوانات واكتفائه بتناول الجراد والعسل البري، ينتمي بجلاء إلى ذلك النوع من الرجال المقدسين الذين وصفهم يوسيفوس كمتجوِّلين في أرجاء الأراضي الوعرة لوادي الأردن، محرِّضين الفلاحين والعبيد ومثيرين الاضطرابات بالنسبة للرومان وعملائهم اليهود.

ما تتَّفق عليه الأناجيل الأربعة كلها هو أنّ يوحنا المعمدان كان رائد الدرب المباشر ليسوع. وكانت مهمته هي إنجاز عمل إشعيا بالذهاب إلى البرية- الأراضي الموعودة الموبوءة بقطاع الطرق والحافلة بالكهوف التي ردّدت أصداء ذكريات عهد يهوه- وهو يصرخ: "وأنتم تحضّرون طرق الربّ؛ اجعلوا مساراتها مستقيمة". (توبوا عن آثامكم، اعترفوا بذنوبكم، بحيث يمكن أن تكافأوا على الأقل بالإمبراطورية الموعودة).

من المرجح أن يوحنا "عمَّد" اليهود الذين اعترفوا بذنوبهم وأعلنوا التوبة، غسلهم في نهرٍ أو جدول ليطهِّرهم من ذنوبهم بصورة رمزية. ووفقاً للأناجيل فقد كان يسوع التائب المعمَّد الأكثر شهرة. وعلاوة على كونه مغسولاً في نهر الأردن، شرع يسوع بالمرحلة/الذروة من حياته- مرحلة تبشيره الحثيث، التي ستنتهي بموته مصلوباً.


* مقطع من أحد فصول "مقدّسات ومحرّمات وحروب" الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: ألغاز ثقافية"، 2017

* ترجمة أحمد م. أحمد

 

المساهمون