الأزهر و"مجلس الحكماء": التسامح في مينمار فقط

الأزهر و"مجلس الحكماء": التسامح في مينمار فقط

07 يناير 2017
(شيخ الأزهر أحمد الطيب)
+ الخط -

أخيراً، قرّر "الأزهر الشريف"، الذي يعدّ أحد أكبر المراجع في العالم الإسلامي الدخول على خط المأساة البورمية، من نافذة "التعايش" الغائب، خلال ملتقى الحوار بين أطراف الصراع في ولاية راخين بمينمار، الذي انعقد في الثالث والرابع من الشهر الجاري في القاهرة تحت عنوان "نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني مينمار".

الملتقى ينظّمه "مجلس حكماء المسلمين"، الذي تأسّس في أبو ظبي عام 2014، برئاسة أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذي يلقّبه المجلس بـ"الإمام الأكبر" ومهمته الأساسية هي "نشر ثقافة السلم والتعايش في العالم".

دخل الأزهر على خط المأساة المفتوحة منذ سنوات، لم يأتِ متأخراً فحسب، بل يبدو أنه إفراز للحالة الداخلية المصرية، وأثقالها التي تنطلق من دواعي، ما يُسمّى بـ"تجديد الخطاب الديني" رغم غياب المضامين الحقيقية للطرح الذي يفترض إنهاء أشكال التمييز الديني والفكري والسياسي في الداخل المصري حتى يقدّم الأزهر نفسه نموذجاً للعالم الخارجي للتسامح والتعايش.

ما قدّمه شيخ الأزهر في كلمته الافتتاحية، بالرغم من أهميته النظرية، يفتقد الموضوعية بسبب غياب ذلك الدور في معالجات الوضع المصري، الذي يبدو فيه الأزهر تابعاً للمؤسسة الرسمية، بكل حمولاتها الإقصائية لتيارات سياسية ودينية، إضافة إلى صمته عن كافّة الأطروحات النازعة نحو العنف ضد المختلفين دينياً، أو تلك الدعاوى التي تُرفع ضدّ الأفراد والجهات التي تطالب جدياً بمراجعة التراث الديني.

كثيرون غرّدوا على مواقع التواصل الاجتماعي، حول كلمة أحمد الطيب، التي تحدّث فيها عن "البوذية"، واعتبرها "ديناً إنسانياً راقياً" وامتدح "بوذا" باعتباره شخصية وفاقية، وأنموذجاً لثقافة "التعايش والتسامح"؛ بعض المغرّدين اعتبر الأمر بمثابة، "قفزة محسوبة" في اتجاه نفض "التطرّف" الذي تسلّل أخيراً إلى أسوار المؤسسة التي ظلّت تُوصف بـ"الوسطية"، بينما غرّد جمع آخر من المتشدّدين، أن الأمر يتنافى مع "صحيح الدين الإسلامي" بحجة أن البوذية ليست دينياً سماوياً، حسب رأيهم.

ما يسترعي الاهتمام هنا بين المتجادلين هو غياب الطرح المتعلّق بأن "التسامح في الأساس ثقافة" قبل أن يكون تشريعات وقوانين وخطابات تُقدّم في هكذا ملتقيات، والممعن في الحالة المصرية، خلال السنوات الأخيرة، يكتشف بيسر أن أساس الأزمة الداخلية المصرية، يكمن في غياب هذه الثقافة.

التنظير لفكرة "تجديد الخطاب الديني" داخلياً، وكذلك الدعوة لإرساء دعائم التعايش خارجياً، ينبغي أن يسبقه جهد حقيقي في اتجاه تكريس هذه الثقافة الغائبة، التي تبدأ بقبول الآخر، المختلف دينياً، والمغاير فكرياً، وضرورة احتمال الاختلافات في التأويل وفي بناء الخيارات الفكرية والمرتكزات العقائدية، وأن لا تكون المحاكم هي الملاذ الوحيد لإدارة تلك الاختلافات، أو أن تصبح السجون والمعتقلات مأوى المختلفين مع رؤية المؤسستين الدينية والسياسية.

اللافت في ملتقى الأزهر الذي انعقد في فندق "الماسة" تحت شعار "نحو ترسيخ أسس المواطنة والعيش المشترك بين مواطني مينمار"، أنه عند استبدال مفردة "مصر" بـ"مينمار"، حينها لربما تغيّرت الكثير من الاحتمالات، انطلاقاً من مكان الملتقى (فندق تابع للقوات المسلّحة المصرية)، وصولاً إلى المؤسّسة المنظّمة؛ الأزهر الشريف بكل تاريخه المعروف في السجالات السياسية والدينية والفكرية التي غلب على بعضها الإقصاء لبعض مخالفيه.

دلالات

المساهمون