وقفة مع محمد بازي

وقفة مع محمد بازي

05 يناير 2017
(محمد بازي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.

* ما الذي يشغلك هذه الأيام؟

- تشغلني في الفترة الأخيرة مسألة الهندسة الروحانية وتربية النفس. تردّدت عليّ هذه الفكرة أكثر من مرة، ولذلك أحاول القبض على بعض معالمها انطلاقاً من هذه الأسئلة: كيف يمكن تشكيل روحانية الإنسان المعاصر؟ وكيف يمكن ترتيب عناصرها ورؤيتها للكون ترتيباً سليماً؟ وهل يمكن التحكّم في ذلك فلسفياً وتربوياً وإعلامياً؟ ما المرجعيات الدينية والفكرية التي تسمح بإعادة شرح مفهوم الإيمان بمنظور فلسفي عرفاني منفتح ومعاصر؟ وكيف يمكن جعل الجيل الجديد من عشاق الحكمة يبني الجانب الروحي بناء صحيحاً يتوافق مع أسرار الكينونة والوجود العابد.


* ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

- آخر كتاب صدر لي هو "البُنى الاستعارية: نحو بلاغة موسّعة"، عن "ضفاف و"الاختلاف و"دار الأمان" و"كلمة". وبين يديّ الآن كتابان جاهزان في البلاغة القديمة والجديدة لم أرسلهما بعد إلى الناشر.


* هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟

- نعم. أما لماذا؟ فلأن المنهاج الذي أعمل به اطلاعاً وتأليفاً ومراجعة يعتمد على الهدوء والبطء وطول التأمل والمساءلة، إنها إستراتيجية متتابعة الحلقات بعيدة المدى لا تَسَرُّع فيها.  عدم الرضا يحصل بلا ريب للكاتب المتسرّع الذي لم يمنح مؤلفاته الوقت الكافي للنضج والتأمّل ومعاودة النظر. أسلوبي في الكتابة يقوم على الإكثار من المراجعات والتدقيقات، فضلاً عن ذلك هناك نسقُ مشروعٍ علمي ممتدٍّ ينتظم أهم أعمالي وهو يستحق ما يبذل فيه من جهد وعناء، ومن صبر –كذلك- على ما يلاقيه من إهمال في الوقت الراهن.


* لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- هذا السؤال يناسب أكثر الذين يؤمنون بالتخصّصات الضيقة، في مجال الأدب والنقد والبلاغة والتأويل يمكن للباحث أن يقتحم كل التخصّصات، بل إن هذا مطلب مُلح، ولذلك فإنه سيجد ما يريد حتماً بما يناسب تطوّرات شخصيته العقلية والروحية، كما سيعود من جولاته المتنوعة بكنوز معرفية وخبرة واسعة لتطعيم منظوره للحياة والكون. صحيح، إننا لا نسبح في النهر مرتين، لو أعدتُ السباحة لاخترت بحر البلاغة وجزائر التأويل البعيدة، وقطب المتجمد الشمالي الوعر للقراءة، وللاستراحة والتأمل القطب الجنوبي السحيق، فأنا أعشق الخلوات والاحتماء بالكتب الباردة،  علني استدفئ ببناء الجمل والفقرات وفهارس المدونات.

* ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- يحتاج عالم اليوم إلى التأمل العميق في رحلة العبور السريعة، وإلى تأمل أسرار الله في خلقه، وتدبّر معاني الغاية من خلقهم. رغم الكشوفات العلمية الباهرة لا يزال الإنسان لاهثاً بعنف وراء المادة والسلطة والسيطرة والزيف والعبث، ماضياً في الأوهام والجحود والعماء واحتقار الضعفاء والمغلوبين.


* شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- إن القلب والعقل يتّجهان بكل جموح وشوق إلى ملاقاة - عبر الرؤيا ثم الرؤية - من ملأ العالم نوراً ومحبة وإيماناً وعلماً، إلى أعظم رجل عرفته البشرية. إلى من كانت روحه تتعبد قبل البعثة في أعالي جبال مكة هائمة بالملكوت، وأَشْركَ غيرَهُ أسرار كل ذلك بعد ذلك.

* صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟

- يمرّ بنا الأصدقاء كالكتب وكالأنهار، وأحياناً كالجبال وأخرى كالسحاب، وما أكثر من مرّ من الأحباب، ونستضيف الكتب مثل الأصدقاء في كل باب، ويبقى كلام الله أصدق الأصدقاء في الخطاب.

* ماذا تقرأ الآن؟

- قراءاتي الأكاديمية متعددة في مجال نظريات الخطاب، ونظريات الاستعارة، والبلاغة، والتأويليات القديمة والحديثة والأدب والفلسفة. علاقتي بالبحث تدفعني إلى الاطلاع الموسع على المتون التراثية الواسعة والمتنوّعة، وعلى والمستجدات المعرفية والفلسفية العربية والأجنبية. فضلاً عن تردّدي غير المنتظم على قراءة الروايات.

* ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- في ما سبق كانت تستهويني المجموعات الغنائية المغربية مثل "ناس الغيوان" و"جيل جيلالة" و"المشاهب" و"إزنزارن" وبعض الألوان الغنائية الملتزمة، وقد كان لها تأثير كبير في روحانيّاتي واهتماماتي ومنظوري للحياة والآخرين وقتئذ. أما الآن فأنا أحب سماع المواويل الصوفية والأمداح النبوية وعود المبدع علا البشاري. مسألة ذوق يتغيّر مع السن وتبدّلات منظورنا للعالم وللحياة ولأدوارنا فيها، وعلاقتنا بمن إليه المآل. 

بطاقة: محمد بازي (مواليد 1970 في أغادير) كاتب وباحث في مجال التأويليات العربية والغربية. صدرت له مجموعة من المؤلفات أهمّها: "تقابلات النص وبلاغة الخطاب، نحو تأويل تقابلي" (2010) و"العنوان في الثقافة العربية، التشكيل ومسارات التأويل" (2012) و"نظريَّة التّأويل التّقابلي مُقَدّمات لمعرفةٍ بديلَة بالنَّص والخطاب" (2013) و"البنى التقابلية :خرائط جديدة لتحليل الخطاب" (2015) و"صناعَة الخطاب: البُنى العميقَة للتأويلية القُرآنِيّة" (2015) و"البُنى الاستِعارية: نحو بلاغة موسعة" (2016).

دلالات

المساهمون