مخيّم اليرموك.. قبيل الانفجار الكبير

مخيّم اليرموك.. قبيل الانفجار الكبير

26 اغسطس 2016
(صورة للمخيّم، نيسان 2015)
+ الخط -

في أواخر التسعينيات، كانت جنازة لشهيد من أبناء مخيّم اليرموك، قرب دمشق، تسير نحو جنوبه حيث المقبرة. احتفاء رسمي مصغّر وأعلام وخطابات لعدد من قادة التنظيم الذي ينتمي إليه، تمجّد دور القيادة وتروي بطولاته قبل استشهاده في قصف إسرائيلي على أحد مواقع التنظيم العسكرية في لبنان.

أُشيع حينها أن والدة الشهيد صرخت باكيةً في وجه أولئك القادة، تُذكّرهم أن استشهاد أكثر من ابن لها، سواء في معارك ضد العدو الصهيوني، أو في "حروب الإخوة"، كان ينتهي إلى صورة متّشحة بالسواد على حائط البيت والعودة إلى مواجهة واقع اقتصادي واجتماعي ينهار بسبب هزالة التعويضات التي تمنحها التنظيمات لأسر الشهداء، وغياب فرص عمل إن بقي لها أبناء على قيد الحياة.

منذ السبعينيات، التحق آلاف الشباب من المخيّم بصفوف الثورة الفلسطينية، استشهد بعضهم وأصيب آخرون بعاهات مستديمة عادوا بها مع غيرهم بإحباط لما آلت إليه الأوضاع العربية والدولية، مع انتقاداتهم لفساد أو تغوّل أو أخطاء قيادات في الثورة.

في الوقت الذي كان يقطع هؤلاء الشباب تعليمهم وينضمّون إلى العمل الفدائي، تحوّل اليرموك إلى أهم سوق تجاري في دمشق؛ حيث افتتحت مئات المحلّات التي يملك أغلبها تجّار سوريون؛ ألبسة ومطاعم وغيرها في الشارع الرئيسي للمخيّم الذي لا يتجاوز طوله كيلومترين، وتضخّم عدد السكّان إلى نحو 300 ألف نسمة (لا تعدّ "الأونروا" أكثر من 140 ألف لاجئ فلسطيني في المخيم).

تسارَع النمو العمراني في المكان، وأُقيمت بنايات جديدة، ضمّت بيوتاً بأسعار مرتفعة، سكنها أصحاب المحلّات وقلّة من أبناء المخيّم حازوا شهادات أو مهناً أمّنت لهم دخلاً معقولاً، مقابل تشييد أضعاف ذلك من أبنية عشوائية مخالفة قطنها أصحاب الدخل المحدود ونظراؤهم ممن قدِموا للعمل فيه.

حدث ذلك بموازاة تغيّرات حادّة يصعب استيعابها، إذ شهد المخيّم تراجعاً في إقبال أبنائه على التعليم، وزادت نسبة الفقر والبطالة، وتوجَّه كثيرون نحو الهجرة إلى بلدان غربية، وارتفعت معدّلات العنف والجريمة، والإدمان على المخدرات، وصادفت ذلك كلّه زيادة نفوذ جماعات إسلامية محسوبة على الحكم في سورية أو دول عربية مجاورة، في ظل تراجع حجم الرعاية التي تقدّمها "الأونروا" أو مؤسّسات فلسطينية وحكومية سورية.

أزمات كبرى عصفت بـ"اليرموك" الذي كان يُخيّل لزوّاره، قبل سنوات قليلة، أن الثورة الفلسطينية لا تزال في أوجها؛ حيث تغطّي كافة جدران مؤسّساته وبيوته شعارات لتنظيمات وصور قادتها، بينما كان جميع الناس يتحدّثون عن هموم اقتصادية ومشاكل اجتماعية يستعصي حلّها.


المساهمون