صُوَر العتمة

صُوَر العتمة

25 يوليو 2016
تجهيز لـ إيميلي دانغ
+ الخط -

يستمرّ العالم في جنونه. القتل فعلٌ يومي. الخراب سلوكٌ لا يتوقف عن ابتكار تفوّق دائم على نفسه في صنع الموت والانهيار. الاجتماع الإنساني مُشرَّدٌ بين أصوات الجريمة، وفراغ المساحة من كل أمانٍ، وانسداد أفق الخلاص. الناس ضائعون. ينامون كأنهم أموات، ولا يستفيقون إلاّ على دمٍ، أو دمعةٍ، أو غبار، أو اختناق، ثم ينامون. الدنيا منغلقة على ذاتها. العتمة طاحنة. والضوء، هناك، بعيدٌ بعيدٌ بعيدٌ، كأنه الهارب الأول والأكبر، من جحيم الأرض، وقسوة الدنيا في مهانة الفرد.

يستمرّ العالم في جنونه. تستمرّ السينما في غرقٍ مدمِّرٍ بين هذيان اللحظة، والرغبة في الخروج من نفق النهايات المعلّقة، أو المفتوحة على مزيد من الموت. العتمة في الخارج طاحنة. وعتمة الصالات تغرق في ظلامٍ دامسٍ، يُحطّم أحلاماً، ويسحق طموحات، ويقف حائلاً دون تقدّم احتمالات العيش إلى عيش مؤكَّد.

هذا عالم موبوء. السينما تعاند من أجل انتصارٍ، وإنْ يكن وهمياً. الكاميرا تزداد عناداً في التقاط الراهن، بكل شقائه وانكساراته. ترتجف عين المخرج، فترتجف عدسة الكاميرا، فيرتجف المشاهدون أمام شاشة تُحيل لياليهم إلى كوابيس، يسمعون ويلاتها نهاراً، فتقضّ مضاجعهم ليلاً.
لكن، مهلاً: قليلون هم أولئك المتأثّرون بهول الجريمة في العالم، وبهول الصُوَر المنقولة إليهم عبر كاميرا ترتجف في يد مخرج يرتجف.

والرجفةُ لغةٌ وقولٌ، يعكسان شيئاً جميلاً من إنسانية ساعٍ إلى تأريخ اللحظة، بأهوالها وأحوالها. المنفعلون مع الساعي قليلون، والعالم مُقيمٌ في خواءٍ لا يُحتمل، والاجتماع العام يمشي سريعاً إلى هاوية الاندثار. المنفعلون القليلون صادقون، والعالم لا مبالٍ بالانتفاض على خوائه، والاجتماع غير قادر على النفاذ من الهاوية، فإذا بكلّ شيء يتحوّل إلى رفاتٍ قاهرٍ أمام أعناقٍ تُجزّ وما من مُعينٍ، وأمام أنهار تسيل فيها دماءٌ لا مياه، وأمام ساحات تتكدّس فيها أجسادٌ وأرواح.

تريد السينما خلاصاً. كثيرون يُصوِّرون ويحتفظون بصُوَر، يُقدِّمون بعضها على شاشات معقودة على فعل العيش، ومنذورة للاحتفاظ بوهن الآني، ومطالبة بالامتثال الدائم لحضرة الإبداع والجمال. الموت قاس. أساليب القتل قاسية، كما القتل نفسه. هذا معروفٌ. لكن السينما تكافح من أجل خروجٍ ضروريّ من عتمة العالم إلى العتمة الأنقى للصالة.

تُدرك السينما أن كثيرين يُصوِّرون، وتُدرك أيضاً أن بين الكثيرين هؤلاء جلاّدين يتباهون بأفعالهم، عبرها. هذا سببٌ كافٍ لتمزّق تعانيه السينما. الصُوَر للجميع. جلاّدون يُصوِّرون أفعالهم، وآخرون يُصوِّرون أفعال جلاّدين، كي يفضحوا الجلاّدين بما تقترفه أياديهم، وهذا موثّق بصُوَر يلتقطها الجلاّدون هؤلاء.

تُدرك السينما حجم اختناقها. لكنها تعاند كي تخرج من عنق الموت، إلى بهاء حضورها. تعاند ولا تستكين، وإنْ تشعر، أحياناً، بثقلِ المطلوب. فالمطلوب عظيمٌ، والسينما وحدها قادرةٌ على إنقاذ بعض العالم من جحيمه.

دلالات

المساهمون