هادي برعي: سياقة في البرية

هادي برعي: سياقة في البرية

01 يونيو 2016
مقطع من إحدى لوحات المعرض
+ الخط -

قد لا يكون في المعرفة أية فضيلة، ولا في غيابها بالضرورة أي نقص، ولا يعدو الأمر أن يكون سوى خديعة تفرضها حركة العالم للأمام، إذ لا يبقى مع المعرفة أو عدمها سوى الحيرة. يصح أن يكون هذا مدخلاً للمعرض الأحدث للفنان والأكاديمي هادي برعي الذي افتتح مؤخراً في "غاليري آرت توكس" في القاهرة، وحمل عنوان "إلى شيء يعلمونه أو لا يعلمونه".

شخصيات هادي في لوحاته الزيتية لا مبالية تكاد أن تكون في طريقها لعدمية ما. وحتى فكرة الطريق هنا شديدة المجازية، إذ تدور أغلب أعمال معرضه حول حيوانات وبشر مؤبدين في أماكنهم ولا تبدو عليهم إمارات الحركة، وفي القليل الباقي من الأعمال لا يتم تشخيص الحركة بوصفها انتقالاً من مكان إلى آخر، إنما كأنها لقطة لكادر ثابت يقدّم مثالاً رمزياً لفعل الحركة.

كمثال على ذلك، فإن لوحة "سياقة في البريّة" تصوّر فتى يقود دراجة وخلفه ممسكة به من خصره فتاة يتماوج شعرها مع الريح. هذه صورة نموذجية للحركة، خصوصاً مع تطاير شعر البنت في عكس الاتجاه، لكن نظرة مدققة للدراجة التي يعوزها جنزير لنقل حركة التسارع ومثيلتها لقدمي الدرّاج اللتين نراهما على خط عمق واحد، ستقول لنا إن ما نراه ليس حركة على الحقيقة، إنما هو نموذج حركة، حركة في وضعية الثبات، أو حركة ولا حركة.

يمكن أن تلاحظ التأثيرات الحاضرة للفن المصري القديم في أعمال برعي، خصوصاً ما يتعلق منها بتشريح الجسد وتكوينه، فشخصيات الفنان ذات أجساد ممشوقة ومشدودة، وتكوين الرأس بالشعر - تحديداً في الأنثى- يستعير أصابع المصري القديم في نحته لتماثيل الملكات، كذلك العيون الفرعونية الغائرة، لكنها عند هادي بلا مُقَل أو إنسان العين وخالية من أي تعبير، خلافاً للتفاصيل الكثيرة التي منحها الفراعنة للعين في رسوماتهم، وانتهاءً باستخدامه للقطّ كواحد من أكثر الحيوانات تقديساً لدى المصريين القدماء.

يتأتى تمايز أعمال برعي من جهة عصرنته لمفردات الفن القديم، بإلباسها معاني تجريدية ورمزية تضفي على لوحاته بعداً ميتافيزيقياً، إضافة لمفردات أخرى عديدة تمنح أعماله منطقها ومعناها التعبيري.

صناديق وحليات حول الخصر أو للرقاب تبدو في الحقيقة أطواق أسر (مرة أخرى خلافاً لاحتفاء المصري القديم بالحليّ)، قطط وطيور بقوائم مستطيلة- تذكّر بقوائم الفيل الطويلة جداً في أحد أعمال سلفادور دالي- إما منفردة بمساحة العمل فيكون لها مثل ما للبشر من لامبالاة أمام المعلوم والمجهول، أو تُجاور بشراً فتربطهم بقداسة قديمة، وصولاً لعظام الترقوة النافرة للشخصيات مع أعناقها الطويلة جداً والتي تتحوّل معها الأجساد لصلبان تحمل وجودها ذاته كوِزْر.

وأخيراً، الخلفيات اللونية للأعمال والمتراوحة بين درجات من الرمادي الفاتح والأسود الداكن المرقط بنتف بيضاء ودرجات من الأزرق الداكن والنيلي وكذا الأحمر المشوب بصفرة داكنة، إذ توحي بأن شخصيات اللوحات معلقة في سديم كوني هائل ومتسع، لتكتمل بذلك لشخصيات هادي معاني التيه أمام ما يعلمونه وما لا يعلمونه.


دلالات

المساهمون