ذاهب إلى باتنة

ذاهب إلى باتنة

04 مايو 2016
عبد القادر غرماز/ الجزائر
+ الخط -

هل جرّبتَ دور المغفّل مع عابرة في محطة قد تفترقان بعد لحظات، وتتركان بقايا الكلام على تلك الكراسي المعدنية الباردة، كما يترك جندي فتات الخبز على العشب ويمضي مسرعاً إلى معركة؟

إنها تبذل كلماتها تلقاء غصّة في قلبها، وتجهد قريحتها عسى أن تُقنعَ الفراغ فيك بجدوى الحياة، بجدوى الشرف والأخلاقِ العالية.

هل فعلاً تحبّ هذه السيدة العظيمة الحياة؟ أم أنها لفرطِ ما قلّمتها الفجائع أصبحت ناياً لبثّ أهازيجِ القصب؟

أغلب التعساء في هذا العالم يفتخرون بكونهم أحياء، أغلب الكئيبات يستعملن أساليب غريبة لرسم نظراتٍ شبيهة، لذلكَ تتضرّر المرايا كل يوم، إذا حدث والتقى الصنفان.

تركتُ كوبَ القهوة قربها، حين سمعت صوتاً يقول: "باتنة".

عندما وقفتُ ممسكاً حقيبتي، كلّمتني برقّة من خُدع، ويبدي تحسّراً على ثقته العمياء: أنتَ ذاهب إلى باتنة؟

لم يكن جوابي مشذّباً بالشكل الذي يجعله يروق امرأة داهمتها الثلاثون في حيرة: أجل إلى تلكَ القمم، تركتُ لكِ كوبَ القهوة، لم يبرد بعد، أكملي حديثك الشائك، وتذكّري أن بعض الناس يسع صمتهم حتى أصوات المدافع.

كان الضجر يغتال مساء المدينة، برياحٍ بَحرية باردة. جلبةُ عجلات الحقائب الكبيرة كادت تمنعني من سماعِ آخر كلمة تفوّهت بها بابتسامة غريبة: أنت جندي؟

لم أشأ أن أنتفي في ذاكرتها بعد أن قدّمت لها أذني، كانت تحاول اختراقَ شيء ما في عزيمتي، لكن الأوفر حظّاً من ذهب من المحطّة، وأنا لا محال ذاهب، ويمكن لابتسامة خفيفة أن تهدر انتظارها الموحش، لكن الزمن الذي يمحو الأخطاء سيجد ابتسامة سهلة في طريقه: أنا صرصار.

ركبتُ يومها الحافلة كمن يحمل في قدميه الوحل، ونمتُ متثاقلاً كجثّة فيل، ولم أنس امرأة تجلس في مقعدٍ معدني في محطّة ضجرة وباردة، تثرثر عن إمكانية الحياة، لاحقاً شاهدتها في لوحة في أحد المعارض، كانت تلقم أظافرها كما يلقم جندي رشّاشه، لتنقضّ على بدن الحياة. وفي معركة أخرى كانت تسير على قدمين من زجاج، وتحاول أن لا تدوس على الحصى خشية أن تتهشّم.


* شاعر من الجزائر


دلالات

المساهمون