صامولي شيلكه: اغترابات الهجرة والأحلام

صامولي شيلكه: اغترابات الهجرة والأحلام

27 ابريل 2016
عبد الناصر غارم/ السعودية
+ الخط -

في أول فرصة للتعريف بكتابه الجديد، "حتى نهاية النفط"، الذي سيصدر عن دار "صفصافة" في القاهرة في النصف الثاني من العام الحالي، ألقى الباحث الفنلندي، صامولي شيلكه، مساء الجمعة، في جمعية النهضة العلمية والثقافية "الجيزويت" محاضرة حملت عنوان الكتاب نفسه، مع عنوان فرعي محدّد "الهجرة والأحلام في ضواحي الخليج".

استقى الباحث عنوان كتابه، الذي سيصدر في ترجمته العربية قبل صدوره بالإنجليزية التي كتب بها، من مفارقة لافتة في أبحاثه مع عاملين مصريين في دول الخليج ممّن يحوزون رواتب متدنية. ولدى سؤال أحدهم ما إذا كان سيغادر قريباً البلد الذي يعمل فيه في ظروف ضاغطة، أجاب العاملُ الباحث أنه باق "حتى نهاية النفط".

ومن هذه المفارقة تحديداً انطلق شيلكه في بحثه الذي يحاول من خلاله فض الاشتباك بين الأحلام التي تدفع الناس إلى الهجرة، والأحلام التي تبدأ في السيطرة عليهم نتيجة الهجرة، كذلك فهم وتشريح علاقات إنتاج الخيال والأموال.

أراد شيلكه أن يبدأ من تأسيس اصطلاحي لمعنى الحلم كما فهمه من مبحوثيه، "الحلم ليس بمعنى الوهم الذي هو نقيض الواقع، وإنما هو الحلم الذي أسعى إلى تحقيقه، الحلم الذي من المفترض أن أحققه".

لكن السؤال الذي طرحه بالمقابل على العمّال تعلق بماهية أحلامهم، وجاءت الإجابات في معظمها حول الحاجة إلى تغطية نفقات زواج مؤجل و/ أو تأسيس بيت يبدو أنه في أغلب الأحيان وبسبب من ضيق ذات اليد لا يتعدّى أن يكون بنياناً من الطوب الأحمر الكالح.

يلفت الباحث النظر إلى أن "المال" في مثل هذه الأحلام الجمعية لا يكتسب قيمته لذاته، أو ما تعنيه وفرته، "بل يأخذ معناه من قيمته الأخلاقية كمسوّغ للالتحاق بحالة اجتماعية وصوره جاهزة عن الحياة وشكل العائلة".

وإلى جانب ما تعنيه الهجرة من انتفاء الاعتمادية التبادلية بين المجتمع المحلي، ومعاناة المهاجر من غربة وألفة مفتقدة عن محيطه الاجتماعي، فإنه بالمقابل يكتسب حرية فردية ما في حال السعي مهاجراً وراء المال - بحسب كتاب "فلسفة المال" لجورج زيمل، الذي أشار إليه شيلكه في محاضرته - إلا أنه وفي حالة هؤلاء العاملين فإن قيمة الحرية تُدهس تحت أقدام نظام الكفالة، كما تتضاعف حالة اغتراب العامل، "اغتراب في معناه الماركسي حيث لا رابطة أخلاقية بالعمل، إنما يبيع العامل جسده ووقته لرب عمله، واغتراب بمعنى الغربة عن الأهل".

يمكننا، إضافة إلى ذلك، وضع الأحلام السالفة تحت اللافتة الخاصة بأحلام ما قبل الهجرة وفي أثنائها. أما في ما بعد الهجرة والاستقرار لسنوات في الخليج، فيواجه العمّالُ، أصحابُ الرواتب المتدنية والمهن الشاقة، حياة تنبني في جزئها المادي على حالة خيالية تسعى بعض دول الخليج سعياً حثيثاً إلى إنتاجها، تتعلق بمعاني الأضخم والأكبر والأحدث، فيما يبدو أنها تُصنع بغرض الإبهار والاستعراض لا المشاركة.

في ذات السياق، يشير الباحث إلى ما يعانيه العامل الريفي من ضغط مزدوج: الرفاهية التي تحاصره، ثم قبلاً الأوضاع الضاغطة من مجتمعه المحلي في الريف، الذي لا يَقبل من العامل سوى النجاح، "عدم نجاح العامل لا يعني في العرف الريفي إلا أنه يداري ثروة عن أعين الناس مخافة الحسد"، يقول شيلكه، ويضيف "تدفع مثل هذه الضغوطات المهاجر لادّعاء عيش رغد، حتى ولو عاد من الخليج خاوي الوفاض".

بالوصول إلى حال العودة، يجادل الباحث في أنها مسألة معقدة "ليست هناك عودة كاملة معظم الوقت"، ويُرجع أسباب التعقيد إلى علاقات العمل التي تتجاوز كونها علاقات إنتاج بالمعنى الماركسي لتصير علاقات خيال أيضاً، "تصبح صورة الوجاهة الاجتماعية وتمثيلها الطبقي نتيجة صناعة جزئية لتصوّرات النخب عن معنى الحداثة، التي تفرضها بحكم هيمنتها الاقتصادية".

يرى الباحث أنه في ذات النقطة يمكن أن تنضوي تفريعات كالتصاق بعض المفردات الخليجية بلسان المصريين العائدين من أبناء الطبقة الوسطى خصوصاً، ولا يوافق أن هذا قد يعني حلماً بعودة مؤجلة أو تأثيراً ثقافياً اكتُسب بفعل الاندماج في المجتمعات الخليجية، "لغة الطرف القوي تصبح هي لغة الجمال والتمايز الطبقي، كما كانت الفرنسية في مصر أوائل القرن العشرين، وكما هي الإنجليزية الآن".

بدأ شيلكه بحثه مطلع عام 2009، قبل أن تصل هيمنة الخليج الاقتصادية على مصر إلى ذراها في الزمن الراهن فتخلخل معانيَ كانت راسخة، من قبيل السيادة الوطنية وحدود الأرض وتضحيات الدم.

لكن ما لم يقله الباحث الفنلندي أنه ربما، نتيجة الهجرات المصرية الكثيفة إلى دول الخليج منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن، نجد مصريين لا يمنعهم مانع من إعلان تأييدهم تنازل السلطة عن جزيرتين مصريتين للمملكة السعودية مقابل أموال طائلة ستدفعها المملكة، بل إن الأمر زاد عن ذلك وطالب آخرون ببيع كل ما يمكن بيعه!


دلالات

المساهمون