أندرياس برسكيفا: قوارب الموت مرّت من هنا

أندرياس برسكيفا: قوارب الموت مرّت من هنا

13 ابريل 2016
(من لوحات المعرض)
+ الخط -

عبر كولاج لوني بين الأكريليك والطبشور يكوّن الفنان التشكيلي القبرصي أندرياس برسكيفا (Andreas Paraskeva) أعماله الجديدة المعروضة مؤخراً في "متحف بيريدس" (Pierides Museum) وسط مدينة لارنكا القبرصية.

المعرض الذي أقيم تحت عنوان "ورقة العالم" يعكس مشاهد من الوجع الإنساني على ملامح بشرية تتماشى مساحتها مع الشكل الطولاني الذي عادة ما تظهره الصور العاجلة للهواتف المحمولة، تلك التي تحمل خرائب العالم الإنساني وأوجاعه مباشرة إلى مكتبات الفيديو والصور في شبكة الإنترنت.

ثمانية أعمالٍ فنية تغلب عليها الألوان القاتمة، وتتوزع فيها تعابير لأجساد غيرتها ظروف الزمن وتحولاتها المريرة، فالمرأة الواقفة بثوبها القروي تحمل سلة انتظارها وخلفها دمار المدينة وأيادي المودِّعين الذين ذابت ملامحهم على طرقات اللجوء، والصبي المصاب بالسرطان يقتفي أثر الأمل على حصان خشبي في لحظة رضى مفزعة، بينما خيوط الدمى تتدلى فوق جسد "منيكان" بهيئة امرأة دون ساقين وقد احتضنها رجل نحيل لا يقوى على الحب.. هكذا أيضاً نشاهد العجوز الذي طالما كان هندامه على أعلى مستوى ونياشين التكريمات الحربية على صدره، لكن قوته عجزت عن ملامح الجندي القديم.

وبقدر ما تبعد تلك الأعمال عن المباشرة، تبدو قبرص أقرب إلى الحرب في سورية، ترى هل يتسابق هنا المجتمع إلى الفن في الوقت الذي يحمل له تهديد الحرب الحيّز الأقرب؟ في حديثه إلى "العربي الجديد" يؤكد برسكيفا على ضرورة ممارسة فنه كعمل لا كشعور وتعاطف وإعطاء رموز ولوحات فقط.

يقول: "أريد أن أتكلم من خلال عملي وأنبّه الناس عن الخطر الذي نحن موجودون فيه، لقد رسمت عن اللاجئين وكذلك عن كل اللاجئين وليس فقط اللاجئ السوري أو القبرصي..إلخ، مواضيع لوحاتي هي ضد الحرب، غالباً رموز. لذلك هي فعلاً حاجة بالنسبة لي أن أرسم حتى في أسوأ حالات الإنسانية".

يرى برسكيفا أن ثقافة المنطقة المحيطة تنعكس على ثقافة بلده بوصفها "منطقتنا" كما يسميها، يعني أن تكون قبرصياً وتعيش في قبرص كجزيرة بموقف فريد من نوعه في منطقة البحر المتوسط، وهذا البلد لم يكن يوماً بلداً حراً، والقبارصة عادةً ما كانوا تحت أمم وإمبراطوريات أخرى: "نحن متقاربون جداً وتاريخنا متشابه جداً، ونحن نناضل أيضاً من أجل مستقبل أفضل، كيف لي أن لا أشعر بأوجاع الناس الذين يعيشون حولي؟ وكيف يمكنني تجاهل الناس الذين يموتون في بحرنا؟" في إشارة لمآسي السوريين الغارقين في قوارب الموت.

وكما تشير إحدى القراءات النقدية حول أعمال برسكيفا، فإن الفنان كان يسعى إلى الكشف عن الناس الذين يسيرون بك في الماضي، كل واحد مع قصته الخاصة، مشاعر و ألم وعزلة.. أرواحهم تخفي عذابهم.

إنها محاولة لعرض المشكلات التي تجعل الناس أشراراً .. للحظة تشعر بسوريالية الأشخاص في الفضاء الغامض، وألوان الأحمر والأزرق البيزنطي تعكس وتعزز الألم على وجوه الناس: الطفل الصغير مع عذابه الخاص، وضحية الإيدز، والجسد الأنثوي ضحية الاستغلال، اللاجئون، والمفقودون. إنها سريالية يومية من حياتنا تتكشف في ورقة كبيرة الحجم.. هشة تماماً مثل عالمنا.

يمضي اللون في هذه التجربة نحو قلق مستمر ويستقر مساره الجمالي في منطقة تعبيرية تعكس هول الأفكار التي يحاول الفنان التعبير عنها. كلما أغرقنا في التأمل يتردد في البال سؤال: كيف يصبح الجحيم مشتركاً بهذه اللغة الحادة من المشاهد وأصوات أنين الشخوص تقفز من إطار إلى آخر لتصبح صوتنا؟

المساهمون