المدينة العربية: دخول مباغت في الزمن الرأسمالي

المدينة العربية: دخول مباغت في الزمن الرأسمالي

14 مارس 2016
من فيلم "الجزائر من علٍ"، يان أرتوس بيرتران
+ الخط -
بدت أوراق اليوم الأول من "المؤتمر السنوي الخامس للعلوم الاجتماعية والإنسانيّة" - في المحور المتعلّق بالمدينة العربيّة -غارقة في بحث تحوّلاتها جراء التمدين المتّسم بالانشطار والفوضويّة، وقد طُرحت أسئلة سوسيولوجية وأنثروبولوجية في ظل ظاهرة الهجرة إلى المدينة وتعدد أشكال الإقصاء والتهميش داخلها، وإشكاليّات وإمكانيّات الحوكمة والتخطيط الاستراتيجي الذي شهدته معظم المدن العربيّة في العقود الأخيرة.

لعل أبرز أمراض المدينة اليوم بحسب ورقة الباحث إدريس مقبول، دخولها "الزمن الرأسمالي" الذي يُحوّل الإنسان فيها إلى شيء وبضاعة في هذه المساحة التي "أكلت" قلب المدينة القديم وأفرغت محتواه الثقافي، لتهترئ الخصوصية وتظهر حالة اغتراب لغوي أفضى إلى تمييز حضري وحالات عنف وتشوّهات عمرانية وإضافات دون ضوابط، في مقاربة تُحيل إلى أوراق أخرى قُدّمت خلال اليوم تحدّثت عن القاهرة والدار البيضاء ونواكشط كحالات دراسة.

يأتي هذا التشابه في واقع المدن العربيّة بعد الهجرة الكثيفة نحوها من الريف، لتدخل في حلقة مُفرغة من المشاكل والتحديات المتشابكة والمتفاقمة، ما يستوجب حسب طرح ورقة الباحث فتحي محمد مصيلحي اتباع سياسة تفريغ من المدينة كبديل تنموي طارحاً القاهرة نموذجاً. وإذا نظرنا إلى مدينة فاس التي تناولتها ورقة الباحثين حسن ضايض وبوشتى الخزان، نرى أن الامتداد الأفقي للمدينة ومسألة التعمير وغياب برامج استثماريّة، أفضى إلى نشوء ظواهر تهميش وإقصاء لشرائح واسعة داخل المدينة وارتفاع وتيرة بطالة الشباب، إضافة لظهور العشوائيّات.

أمّا في مدينة نواكشط، فنرى أنها كغيرها من عواصم الدول الفقيرة حديثة الاستقلال كانت ضحيّة عدم الاستقرار السياسي والانفجار الديمغرافي وشح الموارد ما يُخلّف ضبابيّة في الرؤية وتقلباً في توجهات التخطيط والتنظيم الحضري، كما جاء في ورقة الباحث عبدوتي محمد أحمد.

من جهته، تطرّق هاني خميس أحمد عبده إلى المُدن المُسيّجة التي تُحيط المدن المركزيّة، إذ باتت هناك حاجة لدراسة البناء الإيكولوجي للمدينة المركزيّة من خلال التركيز على مناطق الأطراف المحيطة بها، ولكن ليس بوصفها وحدات إيكولوجيّة متميّزة أو إضافات مكانيّة جديدة في إطار الامتداد العمراني للمدينة المركزيّة فحسب، بل بصفتها نوعاً جديداً من الكيان الاجتماعي الحضري يتميّز بخصائص اجتماعيّة وثقافيّة وبيئيّة مختلفة وذلك في محاولة لفهم العلاقة بين المدن المسيّجة والانقسام الحضري والاستبعاد الاجتماعي.

هكذا تبرز الحاجة اليوم إلى دراسة سياسات حوكمة المدن والتخطيط الحضري، فبحسب الباحث أحمد مالكي فمع العولمة شهدنا تنامي الساكنة الحضرية، ليعرف الألفية الثالثة بكونها عهد التحضّر بسبب القوّة المتنامية للعواصم العالميّة أو ما يُعرف بنظام المدن العالميّة، وبوصف المدينة إطار تحقيق التنمية. وتزداد أهميّة التخطيط الحضري بحسب الباحث أحمد حضراني من كون التعمير مجالاً للتناقضات وتنازع المصالح التي يتقاطع فيها الديمقراطي بالتقني والمركزي باللامركزي، الأمر الذي يجعل من الحوكمة وسيلة لإيجاد الخيوط الناظمة لهذه العلائق.

الباحث صالح النشاط طرح فكرة حوكمة المدينة في بُعدها التدبيري من خلال آليتين تنظيميّتين؛ وهما التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ المندمج؛ فالأول يعمل بطريقة استباقية على معالجة التفاوتات المجالية، ويقوي الجاهزية لاستيعاب مختلف الإكراهات والتهديدات المحدقة بالمدينة، في مقابل استثمار الفرص والإمكانات التي يتيحها فضاء المدينة. أمّا الثاني، فيقوم على ترسيم معالم الالتقاء بين كل المتدخلين في تنفيذ التخطيط الاستراتيجي ويُحدث إطار تنسيق بين كل البرامج القطاعيّة ما يُسهم في فكرة وحدة المدينة والتجاوب مع مشاكلها واختلالاتها التنمويّة.


اقرأ أيضاً: جمال الدين بن عبد الجليل: على مقربة من التنوير

المساهمون