"مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية": أسئلة الحرية والمدينة العربية

"مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية": أسئلة الحرية والمدينة العربية

12 مارس 2016
بدر محاسنة/ الأردن
+ الخط -

يواصل "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، عقد مؤتمره السنوي للعلوم الاجتماعية والإنسانية، عبر اختيار محاورَ لكلّ دورةٍ، تمسّ الراهن العربي وتتواصل معه وتناقش قضاياه، محاولاً أن يبني تصوّرات شاملة تغطّي جوانب عدّة من واقع المجتمعات العربية المعاصرة.

العام الماضي، عُقد المؤتمر في مراكش، بمحورين هما "أدوار المثقّفين في التحوّلات التاريخية" و"الجامعات والبحث العلمي في الوطن العربي". وقبل عامين، أُقيم المؤتمر الثالث في تونس، متناولاً "أطوار التاريخ الانتقالية، مآل الثورات العربية" و"السياسات التنموية وتحدّيات الثورة في الأقطار العربية".

أمّا اليوم، فتنطلق أعمال المؤتمر الخامس في الدوحة، ليبحث في "سؤال الحرية في الفكر العربي المعاصر"، و"المدينة العربية: تحدّيات التمدين في مجتمعات متحوّلة" كمحورين للمؤتمر الذي يشارك فيه قرابة ستين باحثاً من مختلف أقطار الوطن العربي.

يشتمل المؤتمر، الذي يستمر حتى بعد غد الإثنين، في فندق "ريتز كارلتون"، على 20 جلسة، بواقع عشر لكل محور، يشارك فيها باحثون ومفكّرون عرب. يُفتتح المؤتمر، عند التاسعة من صباح اليوم، مع الباحث في الفلسفة الإسلامية، فهمي جدعان، بورقةٍ تتعلّق بالمحور الأوّل، عنوانها "أسئلة الحرية: هنا.. الآن".

ينطلق جدعان في ورقته من المستويات الثلاثة التي وضعها بول ريكور لمسألة الحرية، مركّزاً على مستوى التفكير الأخلاقي والسياسي؛ حيث "أن التفكير هنا، هو تفكير في شروط تحقّق الحرية في الحياة الإنسانية والتاريخ، وعلى مستوى المؤسّسات".

ويحدّد استناداً إلى ريكور، مفهوم الحرية الذي يتقصّاه في حدود الجغرافيا العربية الراهنة: "في هذا السياق، يحضر الكلام عن "الحريات" المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية"، موضّحاً: "لا يُفهم من معنى الحريات هنا الاستطاعة (في الفعل) أو انعدامها، بقدر ما يُفهم منه جملة من "حقوق" الفعل التي لا توجد إلّا إذا كانت مُعترفاً بها من الآخرين، ومنصوصاً عليها أو مقرّرة في مؤسّسات ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي".

هكذا، تبدأ جلسات المؤتمر بالتوازي، فبينما تُعقد، بعد محاضرة جدعان، أولى جلسات المحور الأول بعنوان "الحرية في الإنتاج الفكري والفلسفي والعربي المعاصر" (يشارك فيها علي الصالح مُولى وشاكر الحوكي ونابي بوعلي)، تتزامن معها أولى جلسات المحور الثاني بعنوان "المدينة العربية وإشكاليات التمديُن والاندماج والاغتراب" (يشارك فيها عبد الله حمد الدليمي وإدريس مقبول وفتحي محمد مصليحي).

في المحور الأوّل، تُفرّق أوراق المؤتمر بين مفاهيم عدّة، مثل الحريّة والديمقراطية، والفرد والشخص، والفرد الجماعة، وفضاء الحريات الذي يجمع كلّاً من الأخيرين في ظلّ الدولة المعاصرة.

وتركّز الأوراق أكثر على مفهومي الحرية والديمقراطية، خصوصاً في مرحلة ما بعد الاستقلال، والإشكالات التي يواجهها المفهومان في سياق المواطنة والحقوق السياسية والحريات المدنية كما قاربها الفكر العربي المعاصر، وتناوُل ما برز حول هذه الإشكالية من أسئلة جديدة تُطوِّر فهم الحرية والعلاقة بينها وبين الديمقراطية وقضية الحقوق المدنية والاجتماعية معاً.

يتطرّق هذا المحور إلى تأثيرات الأطر النظرية والنماذج النيوليبرالية والحقوق السياسية والديمقراطية في جزء من النخب العربية الحديثة، التي تحوّل وعي قسم منها من اليسارية إلى النيوليبرالية تحت مسمّى الديمقراطية؛ ما أثار أسئلة بين هذه النماذج للحرية والديمقراطية، والحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية وأدوار المجتمع المدني، وبين التنمية والحرية.

أمّا المحور الثاني، فيتقصّى، في معظم جلساته، ما طرأ من تغيّرات على المدينة العربية المعاصرة، انطلاقاً من مفاهيم سوسيولوجية واقتصادية وسياسية وحتى لسانية؛ حيث يعيش معظم سكّان الوطن العربي اليوم في المدن أو في تشكلات مدينية، ما يعبّر عن تحوّلات المجتمعات العربية نحو التمدين، مقابل الصورة التاريخية الاجتماعية السابقة التي كان يمثّل فيها الريف الحضري ونصف الحضري والبدو معظمَ السكّان، حتى نشوء نظام الدول المستقلّة في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية، والاستقلال في نهاية الستينيات، باستثناء الشعب الفلسطيني الذي ما يزال يخضع للاستعمار الإحلالي.

في هذا السياق، يذهب هذا المحور إلى البحث في أمور عدّة تتعلّق بالتمدّن، مثل توسّع العشوائيات على أطرف المدن العربية أو فيها، والتبدّلات البنيوية التي شهدتها المدن التاريخية من النواحي التنظيمية والعمرانية والنفسية، وتأثيرات المفاهيم النيوليبرالية على تطوّر المدن وإعادة تشكيلها ضمن بُنى سياسية.

هنا، يطرح المحور أسئلة عن قيمة التاريخ في الأطروحات المعاصرة للمدينة العربية، ترتكز إلى أنّ "وجود الإنسان في المدينة ليس معياراً لتمدّنها. بل إن تفاعل الإنسان واندماجه في الحياة العامة واكتمال حقوقه، من مسكنٍ ملائم وصحي وعمل يكفي لمعيشة لائقة وخدمات نوعية، هي الملامح لحياة التمدّن".



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناطق مشتركة
قد يبدو محوراً المؤتمر مُتباعدين. لكن، الحقيقة، أن كليهما يسير بالتوازي مع الآخر ويتقاطعان في مناطق عدّة، تُشكّل تكاملاً بينهما. إذ لا يمكن فصل سؤال الحريّة والحقوق المدنية والديمقراطية والمواطنة عن التوسّع المديني الذي شهدته وتشهده المجتمعات العربية بلا تخطيط تقريباً أو بنى تحتية كافية. كما لا يغيب اليوم عن واقعنا هاجس تخريب المدن العربية الذي تتشارك فيه قوى الاستبداد والفساد والتطرف.



اقرأ أيضاً: "المركز العربي" و"معجم الدوحة": العربية وأسئلة القلق الحضاري

المساهمون