نقد ذهنية "التكريم"!

نقد ذهنية "التكريم"!

12 ديسمبر 2016
(1934 - 2016)
+ الخط -
ليس من مصادفةٍ تثير الاستهجان في يوم رحيل صادق جلال العظم (1934 – 2016) أكثر من نشر خبرٍ  (يبدو أنه أُعدّ له سابقاً) عن "تكريمٍ للمفكّر الذي يمّر هذه الأيام بوضعٍ صحي صعب" في مقرّ "اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات" في أبوظبي بالتعاون مع "رابطة الكتّاب السوريّين".

خبرٌ يحمل أكثر من مفارقةٍ في وقت واحد؛ إذ إن "الرابطة" التي تشارك في تنظيم الفعالية، قد أسّسها العظم مع مجموعة من زملائه الكتّاب السوريين عام 2012، وأرادوا لها أن تكون نقيضاً موضوعياً وذاتياً لـ"اتّحاد الكتّاب" في بلاده غير المنتخب (انتخابات شكلية تقرّر نتائجها السلطة مسبقاً)، والذي يُشكّل أيضاً أداة لتبرير أخطائها وجهاز دعاية لها، ما ينطبق على بقية اتحادات الكتّاب العربية من المحيط إلى الخليج.

تذهب الرابطة (أو بعض الكتّاب المحسوبين عليها) في آخر أيّام صاحب "ذهنية التحريم" لتنّظم "تكريماً" على شاكلة الاحتفالات العابرة والسطحية والركيكة التي كرّسها "اتحاد الكتّاب العرب"، بكافّة فروعه، وتعقد ندوة خلاله تحمل عنوان: "صادق جلال العظم وسؤال التنوير"، لتناقض بذلك كلّ أعمال رئيسها الذي اعتبر الأنظمة العربية و"مؤسّساتها الثقافية" الطرف الأساس في إنتاج وإعادة إنتاج التخلّف والعجز والهزيمة، فما معنى أن يوضع هذا السؤال للنقاش لدى جهةٍ عربية رسمية لا تعترف أصلاً بالرابطة الشريكة في هذه الفعالية؟ (لم يعترف "اتحاد الكتاب العرب" -الذي يتبع له "اتحاد الكتاب الإماراتيين"- بـ"رابطة الكتّاب السوريين"، وما زال يعتمد هياكل وواجهات النظام ممثلةً لكتّاب سوريةّ).

وفي التفاصيل، ستُلقى كلمتا ترحيب متبادلتين بين الاتحاد (الذي لا يعترف بالرابطة) والرابطة (التي أقيمت كنقيض للاتحاد)، وبالطبع ستمتلئ بالإشادات المجانية والعبارات الإنشائية وفائض المدائح التي عاش العظم أكثر من ستة عقود معترضاً عليها، وناقداً جذرياً لها ولبنيتها الاجتماعية والسياسية والثقافية.

وحتى يكتمل "التكريم" الخطير، أصدرت الجهة المستضيفة بياناً ورد فيه: "... رمز من رموز الفكر النقدي العربي الحر والجريء، ومؤلّفاته كان لها دور في تحريك المياه الراكدة وإثارة الكثير من الأسئلة التي عُدّت في مرحلة من المراحل مما لا يجوز مقاربته". لنسأل هنا عن الدور الأساسي الذي اضطلعت به اتحادات الكتّاب العربية وراكمته خلال عقود متمثّلاً بمحاربة هذه الأسئلة والاصطفاف مع الأنظمة في وجه كل من سعى إلى تحريك المياه الراكدة.

أمّا الرابطة فتقول في الخبر المذكور أن فعالية "التكريم" (يصعب إلصاق هذا الوصف بندوة عادية بثلاثة متحدثين لم يعرف عنهم التخصص في فكر الراحل) "تكتسب أهميتها" من خلال التفاعل بين تجربة الشخصية المكرّمة وبين المكان المحتضن للتكريم لما يعبّران عنه من "انفتاح وتنوّع وتفكير نقدي وجريء و...."، و"أنهما يخوضان "معركة واحدة ضد القوى الظلامية".

برع المنظّمون في تحويل فعاليتهم المزمع عقدها غداً الثلاثاء، إلى حفل لتكرار الشعارات المفرغة من مضامينها التى قضى العظم عمره في محاربتها، ولإعادة كليشيهات مسطّحة أمضى المفكّر السوري حياته في نقدها وتفكيكها؛ براعةٌ تفضي إلى تسمية تكريم مجاني.

المساهمون