مراسلات فروغ فرخزاد: انتهى الحلم وأعادته مراراً

مراسلات فروغ فرخزاد: انتهى الحلم وأعادته مراراً

30 نوفمبر 2016
(الشاعرة تستعد لعيد النيروز عام 1961)
+ الخط -

نشرت الكاتبة والباحثة الإيرانية فرزانه ميلاني مؤخّراً، في تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، كتاباً عن الحياة الأدبية للشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد (1935-1967)، تضمّن رسائل غير منشورة للشاعرة، منها رسائل عاطفية كانت قد بعثتها إلى إبراهيم غلستان، الكاتب وصانع الأفلام الإيراني المعروف، الذي جمعتها به علاقة حبّ.

الكتاب بعنوان "فروغ فرخزاد .. السيرة الذاتية الأدبية مع نصوص مراسلات غير منشورة"، وقد حصلت ميلاني لإنجازه، على الرسائل من غلستان نفسه، وأعلنت عنه قبل صدوره، وهي تعلم أنه سيكون محطّ اهتمام النقّاد والكتّاب والقرّاء المحبّين لشعر فرخزاد.

وكانت صحيفة "ابتكار" الإيرانية نقلت في وقت سابق أن شقيقة فروغ، غلوريا فرخزاد، التي اعترضت على بقاء حاجيات فروغ مع والدهما -الذي أساء معاملتهما- بعد وفاة الشاعرة، حملت رسائل شقيقتها الراحلة إلى غلستان، الذي أعطاها، بدوره في وقت لاحق، إلى ميلاني، فبحسب تعبيره لا أحد غيرها يستطيع أن يقدّم حياة هذه الشاعرة بالصورة التي تستحقّها. ميلاني، التي تدرّس في جامعة فرجينيا، تُعرف بأنها ناقدة أدبية متخصّصة في الأدب الفارسي، وفي أعمال الكاتبات الإيرانيات.

لم يعد غلستان، الذي يقيم في الولايات المتحدة الأميركية، غير مكترث لردود الأفعال التي جاء كثير منها منتقداً تلك العلاقة التي كانت بينه وبين الشاعرة، خاصّةً أنه كان متزوّجاً في حينها. في تعليق لـ غلستان، بحسب صحيفة "ابتكار"، قال إن هذه الرسائل تبقى جزءاً من حياة شخصية يفضّل عدم الخوض في تفاصيلها.صورة للشاعرة التقطها لها غلستان

قبل مدة وجيزة من توقيع كتاب الحياة الأدبية للشاعرة الإيرانية ومراسلاتها، في تورنتو الكندية مؤخّراً، نشر الكاتب الإيراني رضا شكر اللهي، القائم على موقع "خوابغرد" الإيراني، واحدة من هذه الرسائل حصل عليها من ميلاني، لافتاً النظر إلى أن هذه المراسلات جديدة ومختلفة عما نُشر في السابق من رسائل لـ فرخزاد التي تزيد عن ثمانين رسالة، وأن كتاب ميلاني الذي يضمّها سيكون متوفراً للإيرانيين في الداخل عبر نسخ إلكترونية فقط.

أضاف شكر اللهي أن هذه الرسائل الجديدة جزء من حياة شخصية لمخرج معروف، وهو أمرٌ بدون شكّ سيثير فضول الكثيرين، معتبراً أن الكتاب على نحوٍ ما يساعد في إلقاء المزيد من الضوء على أعمال كليهما ويقدّم معرفة تفيد في النقد والتحليل بشكل أفضل. كما ذكر أن فرخزاد كتبت أفضل قصائد الحبّ في الشعر الإيراني المعاصر، ورسائلها هذه جزء لا يتجزّأ من حياتها الأدبية.

ينظر البعض لهذه الرسائل بعين أدبية نقدية، في حين احتجّ البعض الآخر على نشرها متذرّعين بأنها تفشي أسراراً عن حياة الشاعرة، وأنها خصوصياتٌ قد تمسّ بسمعتها. من جانبه، يعتبر شكر اللهي أنه من الضروريّ كسر مثل هذه الحواجز في الساحة الثقافية الإيرانية قائلاً إن فرخزاد تركت إرثاً أدبياً يجب الحفاظ عليه، ولكن في نفس الوقت لا بدّ من كسر هالة القدسية التي تحيط بكتاب وشعراء إيران، فلهؤلاء حياة شخصية أيضاً من الطبيعي أن يطّلع عليها القرّاء.إبراهيم غلستان

وفي السياق نفسه رأت الكاتبة سارا سالار أن أدب فرخزاد جزء رئيسيّ من الموروث الثقافي الإيراني، وكل ما يتعلّق بها إلى حدّ ما يخصّ الجميع، بصرف النظر عن باقي الآراء والانطباعات، حسب تعبيرها. بالمقابل انتقد الكاتب حسين مرتضاييان ابكنار الكتاب، وقال إن موضوعاً كهذا يُطرح بدافع الفضول الذي يثيره ليس إلّا، مستغرباً كلّ هذا الاهتمام بقضية يعود عمرها إلى عدة عقودٍ مضت.

لم تتباين وجهات النظر بين المثقّفين أنفسهم وحسب، بل وصل الأمر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتبادل محبّو الشاعرة رسائل وصوراً من كتاب فرزانه ميلاني على صفحاتهم، ومنهم من استمتع بما كتبته فرخزاد، ومنهم من انتقد علاقتها العاطفية بـ غلستان.

يؤرّخ الكتاب السيرة الذاتية للشاعرة، ويركّز في كثير من جوانبه على حياتها الشخصية، علاقاتها العائلية، طفولتها وذكرياتها مع شقيقتها وشقيقها، كما خصّصت صفحات كثيرة منه لتحليل أعمال الشاعرة، واحتوى على صورٍ، ونُسخٍ عن خمس عشرة رسالة. وقد علّقت ميلاني على محتوى كتابها قائلةً إنه يطلعنا على المزيد من حياة وتجربة فرخزاد، فأعمالها، سواء الشعرية أو القصصية تتحدّث عن الحرية والتحرّر، وتشير إلى خصالها ومشاعرها كالإحساس بالغربة والوحدة.

كتبت فرخزاد إلى غلستان في إحدى مراسلاتها: "على طريق عودتي من رافنربورغ امتلأ الحلم بك، وأعدته مراراً، رأيتك تأتي وتأتي وتأتي، حتى وصلت ونظرت إليّ، أخذتني وقبّلتني وقبّلتني وقبّلتني، فاحترتُ بنَفَسي بين أنفاسك، وغرقتُ بين يديك، ورأيتك من جديد تأتي وتأتي وتأتي". في مقطع آخر كتبت: "قلبي يشتاق إليك في غرفتي ويحتاجك عند ساعات العصر المثقلة بالحرّ والخَدر، عند تلك الغفوات الصيفية... أحقاً سأراك ثانية وسأقبّلك؟".غلاف الكتاب

تمنّت فرخزاد الموت، كما قالت في إحدى مراسلاتها، لتعود إلى الحياة فتجد كل البشر دون قيود، ودون أحجار تسوّر بيوتهم. ماتت في وقت مبكّر، وطوى الكتمان تفاصيل علاقتها بـ غلستان الذي التزم الصمت كل هذه السنوات.

توفيت فرخزاد في حادث سير وهي في عمر الثانية والثلاثين ودفنت في مقبرة "ظهير الدولة". عاشت في عائلة "عسكرية" وتلقّت معاملة شديدة وقاسية من والدها، حتى أنها تزوّجت باكراً وهي في السادسة عشرة من برويز شابور، حيث عاشت معه في الأهواز، ورُزقت بولدها الوحيد الذي كتبت له "قصيدة لك". لم يدم زواجها طويلاً، انتهى بالطلاق قبل انقضاء عامين على بدايته، وحصل زوجها السابق على حضانة الابن.

بعد فشل زواجها ذاك، عادت فرخزاد، الشاعرة الحالمة، إلى طهران لتتفرّغ إلى حياتها الأدبية. أصدرت هناك مجموعتها الشعرية "الأسير" عام 1955، ومن بعدها "الجدار" و"الثورة" و"ميلاد جديد". كما صوّرت فيلم "البيت أسود" عن الجذام في إيران، وكان ثمرة تعاونها مع غلستان الذي التقته أوّل مرة عام 1958 خارج إيران.


المساهمون