ميشال كامو: حديث عن أزمة الزعامة

ميشال كامو: حديث عن أزمة الزعامة

27 أكتوبر 2016
(كامو)
+ الخط -

يعبّر الباحث الفرنسي في العلوم السياسية، ميشال كامو، عن جيل ما بعد المستشرقين في الحياة الأكاديمية والفكرية الفرنسية؛ فمع هؤلاء، أصبح "الشرق" مفصَّلاً ضمن تخصّصات. يهتم كامو منذ عقود بالشأن التونسي، وقد نشر العديد من المؤلّفات حوله مثل "العَرَض السلطوي: السياسة في تونس من بورقيبة إلى بن علي" و"الحبيب بورقيبة: الأثر والميراث"، إضافة إلى أعمال نظرية أخرى تهتمّ بمجمل البلاد العربية.

أقام كامو لسنوات في تونس، كمشرف على مشاريع بحثية. بعدها، عاد للتدريس في الجامعات الفرنسية. ويوم أمس، كان الباحث الفرنسي، مرّة أخرى، في تونس من خلال محاضرة ألقاها في "المعهد الثقافي الفرنسي" في العاصمة، بعنوان "الحراك الشعبي في العالم العربي وأزمة الزعامة السياسية".

في بداية كلمته، يقول كامو مازحاً "من طرائف هذه المحاضرة أنني أُحدّث جمهوراً يعرف جيّداً الموضوع الذي سأتحدّث عنه"، كونه سيتحدّث عن تونس إلى تونسيين.

المصطلح الأساسي في محاضرة كامو هو "الزعامة" (Leadership)، لذلك ينطلق من تأصيلها نظرياً؛ فيعتبر أنها تحتمل أكثر من وجه؛ فردي وجماعي، ورمزي وعملي، وهي في النهاية عملية "تجسيد السلطة"، ويعود هنا إلى بدايات الفهم العلمي للسياسة حين يقول "نعرف منذ ماكس فيبر أن كل سلطة لا يمكن أن تعمل من دون نسبة من التجسيد".

تلعب الزعامة كذلك، بالنسبة إلى كامو، دوراً في تشكيل هوية الجماعة، بما أن ثمّة دائماً رغبة في التصديق بأن العالم قابل للسيطرة، مشيراً إلى أن الزعيم يكون عارفاً بديناميكيات هذه الجماعة، بممكناتها وإكراهاتها، غير أن مسارات التاريخ الحديث وتشعّبها تضرب يقينية هذه المعرفة، ما أنشأ "أزمة زعامة" في العالم الحديث.

يطبّق كامو هذه التعريفات على الانتفاضات العربية (2011)، والتي يعتبر أنها سرّعت بظهور "أزمة الزعامة" في العالم العربي، حيث أظهرت هشاشة هذه الزعامة.

لتفصيل هذه الفكرة، يعود كامو إلى التاريخ، مذكّراً بنماذج زعماء عرب؛ مثل جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة وهوّاري بومدين. جميع هؤلاء تلبّسوا بـ "صورة الزعيم الأسطوري" التي تشكّلت ضمن نضالات ضد المستعمر، ما أنتج سلطة متضخّمة تُخفيها القيم الوطنية، وهذا النوع من الزعيم، سيربط بين نوعين من "الزعيمية" (يستعمل المصطلح المشتق من العربية Zaimisme)؛ من زعيمية الشخص إلى "زعيمية الدولة".

بحسب كامو، سيُنتِج اختفاء هؤلاء الزعماء تشكّل وعاء جديد للزعامة، يسمّيه "الرجل المنقذ"، سنجد ذلك في تونس مع زين العابدين بن علي، وفي مصر مع حسني مبارك، حيث غزا منطق الإنقاذ الخطاب السياسي حين لم يعد ممكناً التماس الشرعية من سردية التحرّر الوطني. ويشير كامو إلى أن هذا الوضع يُفرز طبقة "بروليتاريا ثقافية"، بعبارات فيبر، تجتهد في صناعة صورة للزعيم، ومن ثمّ في مركزة السلطة بتوفير إطار ثقافي لعملية "عبادة الشخص" في شكلها الجديد.

في هذه المرحلة، يقول كامو، يتصرّف المواطنون "كمؤمنين" في عملية "عبادة الشخص"، غير أن الانتفاضات ستبرز كيف أن "الزعيم" كان يعمل (ضمنياً) وهو يجمّع السلطات على مركزة الاحتجاجات حول شخصه.

هذه المقاربة "الزعيمية" للتاريخ السياسي العربي الحديث، يفسّر من خلالها كامو ما حصل في الثورات، حتى أنه يستعمل في توصيف ما جرى في 2011 عبارة "قطع رأس الأنظمة" (décapitation)، وليس إسقاطها.

من جهة أخرى، يشير المحاضر إلى أن التجربة التونسية، من "منظور زعيمي" أيضاً، تُظهر قطيعة مع تاريخ عربي (في ما عدا النموذج اللبناني لخصوصيّته) قام على تواتر عملية استبدال زعيم بآخر.

في نهاية محاضراته، يعود كامو إلى فكرة الزعامة وأزمتها العالمية. ومن هنا يخلص إلى أن أزمة الزعامة في تونس تلتقي مع أزمة كونية، وهو ما يجعله يستنتج بنبرة عالية التفاؤل بأنها في المسار الديمقراطي السليم، لأنها ببساطة تعيش مشاكل الديمقراطيات.

إضافة إلى هذه المحاضرة، سيكون كامو محور ملتقى دراسي ينظّمه، اليوم وغداً، "مركز أبحاث المغرب العربي المعاصر" الذي أداره سابقاً في تونس.


المساهمون