برنار جوبار: المهاجرون شهوداً على الانهيارات الكبرى

برنار جوبار: المهاجرون شهوداً على الانهيارات الكبرى

21 أكتوبر 2016
سولارا شيحة/ سورية
+ الخط -

لا يمكن أن نفهم أزمة المهاجرين من الشرق والجنوب باتجاه الغرب على ضوء القراءات الجيوسياسية وحدها، أو أن تُرجَع فقط إلى أسبابها المعروفة مثل الحروب والفقر. إنها أيضاً مسألة أخلاقية بدأت تُثقل الضمير الغربي، والذي بدأ، بالتالي، يبحث لها عن معالجات من بينها العودة إلى تراثه الديني، المتقاطع مع الشرق.

في محاضرة ألقاها، صباح أمس الخميس في "المكتبة الأسقفية" في تونس العاصمة، حاول الباحث الفرنسي في الفكر الديني، برنار جوبار، أن يقدّم قراءة في أزمة المهاجرين إلى أوروبا على ضوء فكر أوغسطينوس (354 – 430 م) الذي عاش في عصر انهيار الإمبراطورية الرومانية وما تبع ذلك من موجات هجرة وحالة الخوف التي عمّت البشرية.

يرى جوبار أن حال العالم اليوم شبيه بما كان عليه في عصر أوغسطينوس، ولكنه يلاحظ من جهة أخرى بأن التناول السياسي والإعلامي يفضح افتقار أوروبا اليوم إلى رؤية أوغسطينوس.

يراوح الباحث طوال محاضرته بين إظهار تقاطعات العصرَين، وقراءة نصوص أوغسطينوس، مثل نص خطبة يستشهد فيها بأمثولة وردت في الإنجيل عن عاصفة فزع منها أصحاب المسيح، فلما أتوه وجدوه نائماً، وحين أفاق أشار إلى أن فزعهم سببه قلّة الإيمان. إضافة إلى "قلّة الإيمان" التي يرصدها المحاضر في عالم اليوم، يعتبر كذلك أن ثمّة "تلوّث أخلاقي" ينتج عنه عدم فهم الانهيار الذي يحدث.

من هنا، يمرّ الباحث الفرنسي إلى الحديث عن الدور المطمئن ومسؤولية صناعة الأمل الذي ينبغي أن يلعبه المثقّفون، وأوغسطينوس نموذج لذلك في عصره، حين بنى مثلاً فكرة "مدينة الله" بالقول بأن "روما التي بناها روميلوس بصدد الانهيار، أمّا العالم الذي بناه الله فهو ثابت".

يعتبر الباحث الفرنسي أن العصرَين تصعد فيهما ثنائية "أوروبا والبربرية"، هذه الثنائية تُنتج الحواجز (جدران المدن في العصور القديمة، وإجراءات أمنية ووثائق في العصور الحديثة)، التي تقف ضد الحس السليم.

يقول جوبار إن أوغسطينوس كان يرى نفسه مهاجراً أو رحّالة، وإن الإنسان مترحّل في الأصل والاستقرار طبيعة ثانية له، وعليه أن يكون في استقراره في خدمة المترحّلين، وهو ما يظهر في العهد القديم، حين يشير النص إلى استغلال بني إسرائيل للبدو (الرحّل) ويذكّرهم بما كان من أمرهم حين ارتحلوا إلى مصر، وهو ما يمكن إسقاطه على سياسات أوروبا مع اللاجئين، حيث تكشف تلك السياسات عن نظرة استعلائية.

في جزء آخر من محاضرته، يفتح الباحث قوساً من خلال استشهاده بعمل بعنوان "الطاعون الأبيض" يُبرز فيه مؤلّفاه، بيار شونو وجورج سوفار، ارتباط نهايات الحضارات الكبرى (الرومانية، الأميركوهندية ما قبل كولومبوس) بتراجع نسبة المواليد، ما يُحدث حالة جذب للغزاة والمهاجرين، وهو ما يسقطه المؤلّفان على أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث يسجّلان هبوطاً في نسبة المواليد من ستّة أوروبيين إلى واحد خلال سبعين عاماً، لأسباب تتراوح بين الحرب والرفاهية الليبرالية.

هذه الملاحظة تتيح زاوية جديدة لقراءة قضية المهاجرين، فهم ربما أمل أخير لأوروبا، أو ربما شهود على انهياراتها، والتي لن تكون ديموغرافية فحسب، بل أخلاقية قبل ذلك.


المساهمون