مرح الإيطاليين الذي لا يصل

مرح الإيطاليين الذي لا يصل

11 أكتوبر 2016
تجهيز للفنان الإيطالي موريتزيو كاتيلان
+ الخط -
رغم الشهرة التي يتميّز بها رجال الفكر الإيطاليون اليوم ضمن خارطة الفكر العالمية إلا أن حضورهم العربي يظلّ منقوصاً، ما يجبر ملتقط هذه الأسماء أن يمرّ بالضرورة من لغات أوروبية أخرى للتعرّف إليهم أو انتظار مبادرة لترجمة عمل من أعمالهم من وقت إلى آخر، غير أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى مجرد إضاءات برقية.

ففي الوقت الذي تلمع فيه اليوم أسماء فكرية مثل طوني نيغري أو جيورجو أغامبان أو جياني فاتيمو لن نجد ما يشبع الرغبة في معرفتهم ضمن اللغة العربية. لعلها حالة شبيهة بما حصل مع فيلسوف إيطالي آخر طوال القرن العشرين، هو أنطونيو غرامشي، الذي ظلّ تداوله كاسم أكثر بكثير من تداول أعماله، وظّلت مفاهيمه التي جرى تداولها (المثقف العضوي، الهيمنة الثقافية، المجتمع المدني..) مقتطعة عن سياقاتها غالباً.

كانت نتيجة هذا التأخر التاريخي في استقدام فكر غرامشي هو صناعة صورة انطباعية ترسّخت على مدى عقود بين أجيال المثقفين العرب كان من الصعب تحويرها حتى مع تعدّد الدراسات العربية حوله في السنوات الأخيرة، وتواتر ظهور ترجمات لنصوصه، فكان حضوره الفكري مقيّداً بالصورة التي ترسّخت عنه.

تأثيرات حالة عدم التدفق بين الثقافتين العربية والإيطالية نجدها أيضاً في مثال أمبرتو إيكو، حيث أن شهرته العربية تستند بالأساس إلى منجزه الروائي، قبل ميدان اشتغاله الأساسي (السيميولوجيا) أو مجال اختصاصه الأصلي (الفلسفة).

ليس المشهد الإيطالي سوى نموذج يتيح لنا رصد ما يضيع من الحركة الفكرية في العالم بسبب خمود في حركية الترجمة. الأمر يكاد يشبه تسرّباً في قنوات المعرفة، ولا يمكننا حصر أسبابه فقط بالعوائق اللغوية؛ إذ أن المشهد الفرنسي أو الأميركي يبدوان أيضاً غير مستوعبَين عربياً، ما يشير إلى حالة من التعطّل في قدرة المثقف العربي المطّلع على ثقافات أجنبية على نقل ما يدور في تلك الفضاءات إلى الداخل، ومن ثم تغذية الجدل العربي بحيويته وتنويعات المذاقات من ساحة إلى أخرى.

عادة، يبدو المفكر الإيطالي أكثر حيوية ومرحاً من نظرائه في أماكن أخرى من العالم. معظم الأسماء التي ذكرناها لها حيواتها السياسية المثيرة ولها تقاطعات مع الفن، ممارسة وتنظيراً.

كان نيغري منظّراً لليسار الراديكالي، "إرهابياً" بمعايير السبعينيات، حتى أنه كان أحد المتهمين باغتيال السياسي الإيطالي ألدو مورو في 1978. ولعلّ أغامبان اليوم الصوت الفكري الأعلى في إدانة انتهاك العالم للإنسان.

أما فاتيمو فقد ألّف كتاب "نهاية الحداثة" (منقول إلى العربية في 2014) وفيه يقول المرثية ذاتها التي قالها من قبله هايدغر أو فوكو، ولكن بأسلوب أكثر مرحاً وخفة. إنها نفس اللمسة التي يضعها الإيطاليون في الموسيقى أو السينما، ولعل استحضارهم يعلّمنا شيئاً من وسائل مجابهة "تشاؤم العقل" أمام أوضاعنا العربية.


المساهمون