نافيد كرماني: كوسموبوليتية وقومية زائفة

نافيد كرماني: كوسموبوليتية وقومية زائفة

08 يناير 2016
(نافيد كرماني، تصوير: بيتر أندرياس هاسيبين)
+ الخط -

لأسباب متعددة، يستحق كتاب نافيد كرماني "بين القرآن وكافكا" (2015)، القراءة والتأمل. فما يصفه وينتقده ويحلّله ليس سوى الوباء الكبير الذي يضرب العصر؛ تلك القومية الزائفة والمزيفة، بصورها المتعددة من عنصرية وإسلاموفوبيا وعداء للسامية وتطرّف ديني.

إن كتابه يستحق القراءة أيضاً لأنه يذكّرنا بتقليد ألماني يكاد يطويه النسيان، ذلك التقليد الفكري الذي رفض أن يسجن نفسه في الأزقة الضيقة والآسنة للقومية، والذي رأى في العالم وطناً له وحافزاً لتفكيره.

ذات مرة، تحدّث كرماني عن ليسينغ واحتقاره للوطنية الضيقة، وهو الذي كان أول من استعمل مفردة كوسموبوليتي. ولم يكن ليسينغ استثناء، فغوته وكانط ومان كلهم كانت لهم علاقة قلقة مع قوميتهم الألمانية، ونظروا إلى أنفسهم كمواطنين في العالم وبشّروا بالمشروع الأوروبي عقوداً طويلة قبل أن تنتبه السياسة إليه.

ذلك المشروع، الذي يمثل - حسب كرماني - نموذجاً للعالم، يتعرّض اليوم لهجوم كبير من قبل الجماعات الشعبوية التي ما زالت تنفخ في أشباح الماضي وتحمّل الآخرين، غرباء وأجانب وأتباع ديانات أخرى، مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. بالأمس كان المتّهمون يهوداً، واليوم يونانيين ولكن في أغلب الأحيان مسلمين.

وفي استعادة لشتيفان تسفايغ، الكاتب الذي آمن أكثر من غيره بأوروبا، كتب كرماني: "يمكنني أن أعدّد الكثير من الأشياء التي تدفعني للغضب على أوروبا، لكني لا أعرف قارة تسودها العدالة والتسامح والأمن مثل القارة الأوروبية".

وفي السياق نفسه، يشير إلى ما حدث بعد عمليات أيلول/ سبتمبر 2001 حيث تم إلقاء القبض على شباب مسلمين دون محاكمة. إن أوروبا تمثل في نظر كرماني ضرورة حياتية، تماماً كما وصفها تسفايغ، فهي الضمانة ضد كل أشكال القومية والتطرّف.

انسجاماً منه مع التقليد الأنسني والأوروبي للكتّاب الألمان في القرن الثامن عشر، ينتقد كرماني سياسة اللجوء الأوروبية، التي تهدّد قيم أوروبا، والتي عمدت منذ سنين إلى التعاون مع الديكتاتوريات في الضفة الجنوبية من المتوسط ضد حقوق اللاجئين.

ويفضح هنا أيضاً المعجم العنصري الذي يمتح منه السياسيون الأوروبيون اليوم في حديثهم عن اللاجئين ويقول: "من يتحدث عن البشر كوباء، يخون أوروبا التي يدّعي حمايتها".

يتحدّث الكاتب في هذا السياق أيضاً عن غوته، الذي رأى ضرورة اعتبار "مصير كل البشر، مصيراً شخصياً". إن الدفاع عن أوروبا، يكتب كرماني، لا يجب أن ينحصر فقط في أنسنة السياسة، بل يتوجّب أن يتجاوز ذلك إلى تعميم فكرتها على كل العالم؛ أوروبا كروح منفلتة من عقال القومية والانتماء الضيق.



اقرأ أيضاً: ميشال أونفري: صهيوني ومناصر للقضية الفلسطينية!

دلالات

المساهمون