"حادثة كولونيا".. ثقافة ذكورية لا إسلامية

"حادثة كولونيا".. ثقافة ذكورية لا إسلامية

27 يناير 2016
نانديفا منتامبو/ جنوب أفريقيا
+ الخط -

لم يتردّد سام، وهو طالب جامعي في قسم دراسات الجندر في كلية بوسطن، في سؤالي عن السبب الذي يجعل من كلّ المتحرّشين ينحدرون من أصول مسلمة. كان ذلك في مشاركة لي قدّمتُها عن وضع النساء في البلدان الإسلامية.

وجدتُ نفسي أسرد له إحدى قصص التحرّش التي شهدتُها أمامي في أميركا، والتي صدرت عن رجال غربيين، لتؤكّد بعدها كلامي العديد من الطالبات في القاعة، واللواتي تعرّضن إلى حوادث مشابهة في أوروبا وأميركا من قبل رجال غير مسلمين أيضاً.

اليوم، تعيد حادثة الاعتداءات في مدينة كولونيا الألمانية إلى ذهني سؤال الطالب الجامعي، حيث أننا مرّة جديدةً نجد أنفسنا في حالة الدفاع عن ذاتنا الجمعية، والمتّهم هذه المرّة هو الرجل المسلم مقابل المرأة الألمانية.

في 1674، ألّف كاهن ألماني يُدعى يوهان ليزر رسالةً يعدّد فيها فضائل تعدّد الزوجات. فصبّ عليه المجتمع في هامبورغ جام غضبه، ما اضطرّه إلى مغادرة البلاد إلى الدانمارك، ثم الى آسوج، بعد أن طردته الدانمارك للسبب نفسه.

ماهي إلّا بضعة سنين حتى برز مجدّداً عام 1682 بكتاب عنونه "انتصار تعدّد الزواج"، والذي كان له وقع على الأديرة في أوروبا، فالكتاب كان بمثابة "تحالف مع العدو"؛ حيث إن الإسلام كان على مشارف أوروبا منذ سقوط بيزنطة عام 1453 على يد السلطان محمد الثاني، إلّا أن رّدة الفعل المعادية للكتاب لم تحل دون إعادة طباعته أكثر من مرّة حتى عام 1703.

ومع ذلك، ما زال الرجل الرجعي والمتخلّف في الصورة التي تقدّمها وسائل الإعلام الغربية هو المسلم؛ ذلك الذي عاش وترفّه في عالم "الحريم". إنه الوحيد القادر على اتّخاذ شريكات متعدّدات، في فترة منعت الكنيسة المسيحيين من اتّخاذ أكثر من شريكة، مع تحريم المتعة حتى ضمن إطار الزواج.

مع ذلك، بقي الإغواء بجنس إباحي، فها هو الأوروبي مقيّد بالالتزام بزوجة واحدة فقط، بينما المهاجر القادم من بلاد الإسلام يستطيع الحصول على أربع نساء، فأي مساواة هذه بين رجل أبيض متحضّر اعتاد على امتيازات كثيرة، وبين ذلك الشرقي الأسمر القادم من بلاد الاستبداد؟ وكيف لا يُهاجَم أسلوبُه وطريقة تعاطيه، وهو حفيد هارون الرشيد والسلاطين العثمانيين الذين عزّزوا مفاهيم الحريم والجواري لوقت طويل؟

الصحيح أن الوضع في أوروبا تغيّر منذ عقود الستينيات على الأقل وهبوب رياح الثورة الجنسية وترويجها لعلاقات جنسية حرّة. هكذا تحرّرت أوروبا من ماضيها الجنسي المقموع، وصارت اليوم تنظر سلباً إلى الإسلام الذي تحوّل فجأة إلى دين صارم معاد للمتعة، وعلاقاتُه الجنسية أصبحت محصورة فقط ضمن إطار الزواج، حتى وإن كانت متعدّدة في ما يخص الرجال.

تتوجّه الآن أصابع الاتهام إلى المسلمين، ويُطالَبون بالتخلّي عن التمسّك بفكرة عذرية النساء والجنس تحت إطار الزواج فقط، وترك تعدّد الزوجات، بل تبني المسار الأوروبي في هذا.

ومع أن العالم الإسلامي شهد تغيّرات كثيرة في العقود الأخيرة في ما يخص المرأة، إلا أنه من الواضح بأن الدراسات الغربية اختارت تجاهلها. ومن أكثر نقاط التحوّل إثارة للانتباه - إن لم يكن للسخرية - أنه مع إتمام الفنان الفرنسي المشهور ماتيس لوحته المعروفة بـ "المحظية ذات السروال الأحمر" عام 1928 (تخصّص في رسم المحظيات فقط)، كان كمال أتاتورك يغيّر وجه تركيا، ممهّداً الأسس القانونية لثورة نسوية حقيقية؛ حيث قام بإصلاح قانون الأحوال الشخصية عام 1923 وحظر تعدّد الزوجات عام 1925.

ما نحتاجه اليوم هو العمل على تغيير صورة المرأة والرجل المسلم في الغرب، فكل الصور النمطية التي تتخلّلها أحاديث موضوع الحجاب، وعذرية المرأة، واعتراض الرجال على إمامة المرأة وغيرها من المسائل، تعكس صوراً سلبية عنا لا نعمل كثيراً على تغييرها. وقد نستحقّ بالفعل الصفعة التي أحدثتها تحرّشات كولونيا، لأننا مقصّرون، فنحن ما زلنا بانتظار الآخر حتى يبادر قبل الشروع بأي مبادرة تخصّنا.

يؤكّد التقرير الصادر عن الهيئة الألمانية الاتحادية لمكافحة الجريمة في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بأن معدّل تورّط اللاجئين في الجريمة لا يزيد عن متوسّط المعدّل بالنسبة للفرد الألماني، وأن نسبة الاعتداءات الجنسية المرتَكبة من قبل اللاجئين هي "أقل من واحد بالمئة" من إجمالي الجرائم".

إنه لدليل واضح بأن المشكلة تكمن في الممارسات الثقافية الذكورية التي باتت منتشرة في العالم كله من تحرّش وسوء معاملة للنساء، ما يدعو إلى العمل على إيجاد حلول لها، بدلاً من إلصاقها في الرجل المسلم فقط.


اقرأ أيضاً: لاجئون في سلّة الأحكام الجاهزة

المساهمون