رحلة الحج: جغرافيا المكان والروح

رحلة الحج: جغرافيا المكان والروح

17 سبتمبر 2015
ضياء عزيز/ السعودية
+ الخط -

لم يكن الاستعداد لرحلة الحج في بلاد المغرب الأقصى مادياً وروحياً فحسب، بل له جوانبه الثقافية والمعرفية أيضاً. إنها تجربة تعادل تجربة حياة بأكملها، لذلك ارتبطت بتدوين تفاصيل الرحلة الحجازية وتدوينها.

ساهمت رحلات الحج في خلق مجال فريد من التراث الأدبي المغربي، وهو المرتبط أساساً بمجموع التراكمات الخاصّة بمدوّنات الرحَّالة العرب والمسلمين؛ مثل "الرحلة الحجازية" لأبي عبد الله محمد بن الطيب الشرقي الفاسي (القرن 17م)، بعد سفر استغرق 16 شهراً من فاس إلى مكة ثم العودة إلى بلاده.

كما كتب أبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي "الرحلة الناصرية" (1709- 1710)، وألف محمد بن عبد الوهاب المكناسي رحلته الموسومة بـ"إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والخليل والتبرك بقبر الحبيب" عام 1785.

مدوّنات الرحَّالة المغاربة، تعد من أمهات كتب الرحلات إلى الحج، التي تسلّط أضواء على جوانب من ثقافة العصور السالفة، وتفاصيل عن مدن وأماكن وعادات، إضافة إلى نقلها نقاشات دينية في حضرة مجالس العلماء. كل هذا يتم، في المسافة بين حواضر وأرياف المغرب إلى بلاد الحجاز في شبه الجزيرة العربية.

يبدو أنّه لا توجد في جغرافية "المسالك والممالك"، قطعة من الأرض حظيت بعناية الرحَّالين المغاربة، مثل الطرق الكبرى المؤدية إلى الحجاز، بالنظر إلى الكثير مما كُتب في هذا المجال بمختلف الأساليب، إضافة إلى مئات القصائد الحافلة بوصف المنازل والمراحل، وما تطفح به من مشاعر الحنين التي جعلت من هذه الطرق "مُجمّعات" استوثقت عبرها الصلات بين "المغرب" و"المشرق"، ومجالاً سانحاً لمبادلة الإجازات بين العلماء وتلاقح معطيات الفكر العربي والإسلامي.

هكذا صارت الرحلة إلى بلاد الحجاز فناً أدبياً لدى المغاربة، بعد أن كانت تدوّن لمجرد المتعة بتسجيل المشاهدات، واستمرت إلى اليوم كتقليد راسخ في الثقافة والأدب المغربيين.

وهنا نستحضر الباحث المغربي في الأنثروبولوجيا، عبدالله حمودي، الذي حافظ على التقليد، ونقل رحلته "الحجّية" في كتابه المترجم إلى العربية بعنوان: "حكاية حج.. موسم في مكة". يروي حمودي قصته الشخصية في رحلته المؤثرة إلى الحج عام 1999، متيحاً للقارئ حيثيات تلك الرحلة، بحيث يعيش معه تفاصيل الزيارة الأماكن المقدّسة.

كذلك فعل الروائي والكاتب المغربي أحمد المديني، في كتابه "الرحلة إلى بلاد الله والرحلة إلى رام الله"، حين جمع بين دفتي الكتاب نصّين مستقلين، أحدهما عن رحلة لأداء مناسك الحج عام 2009، وثانيهما إلى رام الله عام 2014؛ رحلتان يحرّكهما ناظمان يؤطران الحالة الوجدانية الحاملة للنصين، ناظم روحي يهيمن على أجواء السير في بقاع مثقلة بالعمق الديني والرمزي، وآخر قومي يضفي على أيام رام الله وجعاً مستديماً ينكؤه الوعي بوضع الاحتلال الذي تعيشه فلسطين.

المساهمون