أركون: المفكّر في بروازه الفرنسي

أركون: المفكّر في بروازه الفرنسي

14 سبتمبر 2015
افتتاح مكتبة تحمل اسم أركون في باريس (2013)
+ الخط -

محمد أركون، بقراءة ما، هو فترينة الفكر الإسلامي في فرنسا. كتب بالفرنسية، ودرّس في جامعاتها ومنها انطلق إلى العالمية. ومع مراكمته الأبحاث والمؤلفات والتكريمات، مثّل بالنسبة إلى كثير من "المستشرقين الجدد" أو من باتوا يعرفون بـ"علماء الإسلاميات"، مثل ستيفان لاكروا وجيل كيبل وغيرهما، منصّة انطلاقهم لفهم الشرق والإسلام.

كثيراً ما تكون الكلمة المفتاحية في مقاربتهم هي "الجهل المقدّس" (المقولة للمستشرق أليفيي روا)، التي استعملها أركون كثيراً. وهي مقولة بديهية، إذ لا يمكن أن يكون عقل مع "الجهل المقدّس"، غير أن إسقاطها الجاهز يؤدي إلى مقاربات مشوّشة وغير دقيقة.

ليس أركون رمزاً للعقلانية والعلموية فحسب؛ إنه وقبل كل شيء رمز للاندماج المغاربي في فرنسا. لقد طُرح المفكر من أصول جزائرية كعلامة نجاح مزدوجة؛ فمن ناحية يمثل بين المغاربيين نموذجاً لمن بلغ أعالي طبقات النخبة الفرنسية، ومن أخرى مثّل نجاحاً لسياسات الإدماج الفرنسية حيال أهم كتلة من المهاجرين.

ولعلّ واقع هؤلاء اليوم، وكونهم باتوا بعد أحداث السنين الأخيرة، من مراح إلى الأخوين كواشي، مصدر تهديد لاستقرار المجتمع الفرنسي، يجعل من اسم أركون، وظاهرته، أكثر فأكثر عرضة للتوظيف والتنميط.

على مستوى آخر، عرف، ويعرف، أركون في فرنسا أضعاف الاحتفاء الذي يجده في العالم العربي. فمثلاً، أطلقت بلدية باريس بعد وفاته اسمه على مكتبة عمومية، كما بُعثت "مؤسسة محمد أركون من أجل السلام بين الثقافات".

في حفل افتتاح هذه المؤسسة، حضر المفكر الفرنسي إدغار موران، وفي كلمته وصّف أركون بـ"الإنساني"، مضيفاً أنه "طوّر المذهب الإنساني خارج مساره الطبيعي (الأوروبي)". هذه الفكرة تلخّص الكثير من صورة أركون في العيون الفرنسية، وقد بدا جلياً أن المفكر الإسلامي قد وعى بها، وبموقعه ضمن هذه الشبكة الفكرية العالمية، وقد لمّح إلى ذلك حين أصدر كتاب "الأنسنة والإسلام"، جامعاً بين المصطلحين في سياق ما بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.

نفس هذا التوجّه الذي طالما بسط السجّادات الحمراء تحت أقدام أركون، أتى له بانتقادات سنحصرها في مفكِّريْن عربيّين يتقاطعان مع السياقات الفرنسية. فمثلاً، صنّف المؤرّخ التونسي محمد الطالبي، أركون ضمن من سمّاهم بـ"الانسلاخ -إسلاميون". فيما ظل طارق رمضان يسائل مشروعه إن كان يهدف إلى أنسنة الإسلام أم إلى تغريبه؟

بعيداً عن كل ذلك، ما هو أثر أركون بعيداً عن كل هذه السياقات النخبوية والسجالات التي توقفت بوفاته؟ إنه مثل كثير من المفكّرين ينبغي تحريره من صداه ومن صناعة صورته.

المساهمون