غجري اسمه بوعلام

غجري اسمه بوعلام

21 اغسطس 2015
توني غاتليف (تصوير: ديفيد موجوندر)
+ الخط -

في العاشر من أكتوبر 1948، وُلد في الجزائر العاصمة طفلٌ لأبٍ جزائري وأمّ غجريّة إسبانية. اختارا له اسماً يجمع بين عرقيهما، هو ميشال بوعلام دحماني.

خلال حرب الجزائر، في عام 1960 تحديداً، يغادر الطفل مع عائلته إلى فرنسا؛ حيث سيكتشف غواية السينما. ولاحقاً، سيُصبح واحداً من أبرز السينمائيّين الذين ارتبطت أسماؤهم بقضيّة الغجر.

لم تكُن المحطّة الباريسية سهلةً بالنسبة إلى الفتى المنحدر من عرقين مختلفين: جزائري قادم من وراء البحر؛ حيث المستعمَرة الفرنسية، وغجري سُرعان ما يكتشف أن وضعه في فرنسا ليس بأفضل حالاً من وضع الذين تركهم وراءه.

في تلك البيئة؛ حيث وجد نفسه غريباً مرّة أخرى، سيتردّد بوعلام على إصلاحية، قبل أن يجد طريقةً تجعل صوته مسموعاً. في العام 1966، يلتقي السينمائي الفرنسي ميشال سيمون الذي يأخذ بيده إلى عالم الفن السابع، من خلال دروس في الفن الدرامي.

يبدأ أولى خطواته ممثّلاً في عدد من المسرحيات، ثم في فيلم سينمائي، ثمّ يخرج فيلماً قصيراً بعنوان "ماكس الهندي" (1973)، قبل أن يُقدّم فيلمه الطويل الأول "رأس في خرابة" (1975).

حقّق العمل نجاحاً واستُقبل بترحاب في أوساط النقّاد، وجلب شهرةً لـ توني غاتليف، الاسم الذي سيحلّ محلّ "بوعلام دحماني"؛ بحيث لن ينتبه كثيرون إلى أصوله الجزائرية.

لكن ذلك لم يعنِ أنه تنكّر لجزائريته، فبعد ثلاث سنوات يُخرج "الأرض في المعدة"، الذي تناول فيه حرب التحرير من وُجهة نظر أمٍّ من "الأقدام السوداء" (الأوروبيون المولودون في فرنسا).

ابتداءً من 1981، سيكرّس غاتليف معظم أفلامه للقضية الغجرية، ضمن ما يُعرف بـ "سينما الغجر"، مسلّطاً الضوء على أوضاعهم المزرية في أوروبا، ومحارباً الصور النمطية التي روّجتها سينما هوليوود عنهم، بوصفهم سحرة ومجرمين وقطّاع طرق. في تلك السنة، أخرج فيلمه القصير "أغنية غجرية" وفيلمه الطويل "خطوة غجرية" الذي تناول أوضاعهم في إسبانيا.

في العام 1983، قدّم أولى أفلام ثلاثيته التي خصّصها للموضوع ذاته: "الأمراء" الذي يروي قصّة مجموعة من الغجر تنصب خيامها في إحدى ضواحي باريس، في تحدٍّ لقرار السلطات الفرنسية التضييق على الغجر، بهدف طردهم. حاز الفيلم إعجاباً في فرنسا، حتّى أن الفيلسوف الفرنسي الراحل غي ديبور خرج إلى شارع في باريس حاملاً لافتة كتب عليها "أمراء غاتليف ليسوا خونة".

استمرّت أعمال غاتليف في هذا السياق، مع "رحلة آمنة" (1993) الذي وثّق لموسيقى الغجر عبر العالم، من خلال ترحال فرقة موسيقية صغيرة عبر الهند ومصر وتركيا ورومانيا والمجر وهنغاريا وإسبانيا.

أمّا "موندو" (1995) المُقتبس عن قصّة لـ جون ماري لوكليزيو، فيروي مغامرات طفل غجري مشرّد ليس له أسرة ولا يذكر شيئاً عن ماضيه، لكنه يتمتّع بروح مرحة وابتسامة عريضة تسحر كلّ من يلتقي بهم.

في آخر أفلام الثلاثية، "الغريب المجنون" (1998)، سلّط الضوء على اضطهاد الغجر في رومانيا، من خلال قصة شاب فرنسي يُدعى ستيفان، يسافر إلى قرية غجرية في رومانيا بحثاً عن مغنية لا يعرف عنها شيئاً سوى اسمها (نورا لوكا) وصوتها الذي سمعه على شريط كان يواسي أباه لحظات احتضاره.

في "حرية" (2009)، تناول غاتليف "السفير الفني للغجر في الاتحاد الأوروبي" اضطهاد شعبه في فرنسا خلال عهد حكومة فيشي، من خلال قصّة شابيّن يبحثان في تاريخ أصولهما.

حقّق الفيلم صدىً في الأوساط الثقافية والسياسية، وأعاد إثارة قضية تلك المجموعة العرقية التي يقارب عددها في فرنسا 12 مليوناً، وما تعانيه من تهميش وتفرقة. يصف غاتليف العمل بأنه "ذكرى جماعية تعني كل فرنسي".

قبل ذلك، تتبّع رحلة عودة شاب وفتاة فرنسيّين من أصول جزائرية إلى بلدهما الأمّ، مروراً بإسبانيا والمغرب في "المنافي" (جائزة مهرجان كان 2004). إضافةً إلى قصّته التي جاءت غنيّةً بالمشاعر الإنسانية، فتح الفيلم نافذةً على الموسيقى الأندلسية والإسبانية والمغربية والموسيقى الشعبية الجزائرية.

طالما ردّد غاتليف أن تعدّد الثقافات في عائلته وبيئته كان أكبر معينٍ للإلهام بالنسبة إليه. وكأيّ غجري، بدت حياته كحالة ترحال مستمرةّ لا تعرف الوطن ولا تعترف به.

يقول: "عندما هاجرت عائلتي إلى فرنسا، كنتُ أبلغ من العمر 13 عاماً. لم أستطع العودة إلى الجزائر، لكن الفيلم أتاح لي ذلك. كانت المشاعر قوية، غير أنّني لم أجد وطني هناك، فقد اكتشفت أنني غريب أينما ذهبت. أنا مواطن فرنسي ولكني لا أؤمن بمبدأ الوطن، وكلّ بلد متوسّطي هو وطن لي. حياة البدو في ثقافتي الغجرية تعني الحرية في أي مكان".

دلالات

المساهمون