"ديفري".. اختطاف حكاية إثيوبية

"ديفري".. اختطاف حكاية إثيوبية

27 يوليو 2015
(تيزيتا هاجيري في دور حيروت)
+ الخط -

تَعرض الصالات الفرنسية حالياً الفيلم "ديفري"، من إخراج الإثيوبي زرسناي برهان مهاري وإنتاج أنجيلينا جولي. يروي الفيلم قصة حقيقية دارت أحداثها في إثيوبيا سنة 1996.

في قرية صغيرة قرب أديس أبابا، تتعرّض فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، تدعى حيروت، للخطف أثناء عودتها من المدرسة على يد رجال مسلحين يركبون الخيول.

الأمر يتعلّق بتقليد عتيق منتشر في الريف الإثيوبي، ويقضي بأن يختطف الرجل الفتاة التي يرغب في تزوجها. تتعرّض المراهقة للضرب والاغتصاب على يد عريسها المستقبلي الذي سبق أن طلب يدها من أبيها وقوبل بالرفض، والذي يعرف أن والدها سيُسلّم بالأمر الواقع إنقاذاً لشرف العائلة.

في الصباح، تستغلّ الفتاة انشغال خاطفيها عنها وتفرّ بعد أن تسرق بندقية مغتصبها، إلا أنها سرعان ما تجد نفسها محاصرة وتنتهي بقتل هذا الأخير بعد أن يتجاهل تحذيرها.

تهمّ السلطات المحلية بإعدام حيروت بناءً على شهادات خاطفيها الكاذبة، إلا أن المحامية المتخصّصة في مجال حقوق المرأة معزة أشنافي، تتبنّى قضيّتها وتخوض معركة قضائية شرسة دفاعاً عنها، يتردّد صداها في وسائل الإعلام الدولية، وتمهّد لاحقاً لصدور قانون يُجرّم تقليد خطف العروس سنة 2003.

إذا كان الفيلم يدافع عن قضية إنسانية أساسية، فهو لا يشذّ عن المقاربة الاستشراقية الكلاسيكية التي ما زالت تذكرة المخرجين الأفارقة والعرب الذهبية إلى الصالات الغربية: القيم الحديثة والتقدّمية مقابل التقاليد البالية والهمجية. حتى أعمال مثل "فيفا ريفا" و"تيمبوكتو"، وإن كانت تتمايز عن هذه المقاربة، فهي لا تخرج البتة عن إطارها.

بمعزل عن ادعاءات مخرجه الكونغولي جو توندا وامونغا، فإن "فيفا ريفا" يُظهر الأفارقة بوصفهم قردة مهووسة بالجنس وتفعل أي شيء من أجل المال. في مشهد "بارودي" (محاكاة ساخرة) للإرث الرومانسي الغربي، يتسلّق البطل الشجرة تحت ضوء القمر لملاقاة حبيبته المحتجزة لدى تاجر مخدرات متسلّط وغيور. لكن عوضاً عن القبلة الرومانسية، "تناوله" الأميرة عضوها التناسلي من بين قضبان النافذة، فتضج الصالة "البيضاء" بالضحك.

في ما يخصّ "تيمبوكتو"، لدينا قوم من الصيادين والرعاة كانوا يعيشون مُنعزلين عن العالم الخارجي في براءة ووئام طوباويين مع الطبيعة، إلى أن أتى الرجل الأبيض العربي الجهادي حاملاً معه التكنولوجيا الحديثة، وثقافة قمعية إلغائية تشبه إلى حد بعيد تلك التي حملها المستوطنون الإسبان إلى العالم الجديد.

وكي تكتمل الصلصة، يقحم المخرج في الفيلم، ودون أي شرح، ساحرة فودو (المتريارشيا) تصول وتجول سافرة بين الجهاديين من دون أن يتعرّضوا لها.

بالعودة إلى فيلم "ديفري"، ففي مقابلة أجرتها مع صحيفة "لا كروا"، اعتبرت المحامية أشنافي أنه "بوسع الفيلم أن يكون أداةً تعليمية، فهو يتضمّن رسائل قوية عن أهمية المنظمات النسائية وتعليم الفتيات".

الملاحظة تتوافق مع طبيعة الفيلم، فعلى الرغم من الكفاءة التقنية ومستوى الأداء، نجد الهمّ القضيّاتي والتعليمي يطغى فيه بقوة على حساب الحبكة والهمّ السينمائي. يبقى أنه سيصعب على المعنيّين بكلام المحامية الإفادة من دروس الفيلم التربوية، ليس فقط لأنه لا وجود للتلفزيونات أو صالات السينما في الريف الإثيوبي، بل أيضاً لأن القضاء الإثيوبي منع عرض الفيلم في البلاد بناءً على دعوى رفعتها حيروت الحقيقية، واسمها الفعلي أبيراش بيكيلي.

هذه الأخيرة اعتبرت أن أنجيلينا جولي سرقت قصّتها من دون أن تكلّف نفسها حتى عناء أخذ إذنها، ومن دون أن تأخذ كذلك بعين الاعتبار أن الفيلم يُعرّض حياتها للخطر. وقد شرحت إلى مراسلة بي.بي.سي أنها تعيش في الفاقة والعوز وتشعر أنها غير مرئية، في حين أن آخرين ينالون أوسمة النجومية على حساب المعاناة التي عاشتها.

شعور بيكيلي حيال الفيلم بوسعه ربما أن يختصر علاقة نجوم حقوق الإنسان الهوليوديين بأصحاب القضايا التي يستثمرون فيها سينمائياً.

بمعزل عن هذا الجدل، قد يكون من المهم عرض الفيلم في بلدان المشرق العربي، فهو يرينا البيئة الطبيعية التي تُجلب منها عاملات المنازل الإثيوبيّات إلى تلك الدول، ليذقن أبشع أصناف الاستغلال والانتهاك الجسدي والمعنوي.

يكشف لنا الفيلم أيضاً الخلفية الاجتماعية لتلك الفتيات البائسات والطيّبات اللواتي نتفاجأ بسرعة تعلّمهن وإتقانهن للغتنا المحكية، دون أن ندري تقارب لغتهن الأصلية من لغتنا. وحين أصيبت حيروت بالهلع إثر سماعها صوت التلفون ورؤيتها التلفزيون في بيت أشنافي، لم أستطع إلا أن أتذكر قصصاً سمعتها عن الخادمات الإثيوبيات الواصلات حديثاً إلى لبنان.

أعتقد أن عرض الفيلم في المشرق العربي من شأنه أن يجعل العديدات من المخدومات العربيات يتعرّفن على أنفسهن وقضاياهن في معركة حيروت ضد مجتمع ذكوري، ومن الجيد أن يعلمن أن إثيوبيا بلد ديمقراطي وأن النساء الإثيوبيات نلن بفضل نضالهنّ حقوقاً تحلم بها مخدوماتهن في بلدان عديدة من العالم العربي.

دلالات

المساهمون