نجيب سرور.. لا قنديل ولا نجمة

نجيب سرور.. لا قنديل ولا نجمة

06 يونيو 2015
(نجيب سرور)
+ الخط -

حين رحل أحمد فؤاد نجم، قبل عامٍ ونصف، ذهبت الكثير من الصحف العربية لاستخدام عبارات من زجلية "البحر بيضحك ليه"، التي غنّاها الشيخ إمام، وصاغتها على شكل عنوان يُخبر برحيل نجم، أو يرسم بورتريهاً له، معتقدين أنّهم يقتبسون من إحدى قصائده الشهيرة ليودّعوه بها. وهذا أيضاً ما فعله كثيرٌ من القرّاء، إذ راحوا يستعيدون الأغنية نفسها، ملوّحين بها للشّاعر.

في الحقيقة، إنّ "البحر بيضحك ليه" ليست إلّا للشاعر نجيب سرور (1932 - 1978)، بخلاف ما هو متداول. قد نفهم أنّ ثنائيّاً كإمام ونجم سيُفسحُ مجالاً للخطأ في نسب كلمات بعض الأغاني إلى الأخير. لكن لا ضير، أيضاً، من التحقّق والتمحيص، على الأقلّ لتجنُّب الوقوع في أخطاء صحافية مثل هذه، وبطبيعة الحال، لنسب الأشياء إلى أصحابها الحقيقيين، خصوصاً في حالة مثل حالة نجيب سرور.

فلم يُعرف هذا الأخير، غالباً، إلّا بمجموعته الشهيرة ".. أميّات"، التي شكّلت وما زالت تُشكّل صرخةً جريحة في وجه الأنظمة السياسية والاجتماعية والفنية السائدة. ولما احتوته من سخرية وشتائم مقذعة؛ استطاعت أن تحقّق شهرتها وشهرة صاحبها.

إذا بحثنا، لن نعثر على مصدر يحدّثنا عن لقاء إمام بسرور وعملهما معاً. لن نجد، غالباً، سوى ما هو معروف حول الثنائي إمام - نجم. لكن من جهة أخرى، سنعرف أيضاً أنه، إلى جانب "البحر بيضحك ليه"، لحّن صاحب "يا إسكندرية" أغنيتين لسرور، هما "غريب وجيت البلد" و"حلّوا المراكب". أغنيتان لم يجرِ تداولهما كما الأولى، إلّا أنّهما لا تقلّان جمالاً وأهميّة عنها.

وبعكس ما عرفناه عن معظم القصائد التي غنّاها إمام، وعن الأسلوب اللاذع الذي يتمتّع به سرور، فإنّ الأغنيتين تتّسمان بمباشرة أقلّ، وشعرية عالية، وصور فنية صيغت لتُحاكي الغربة التي كانت تنتاب الشاعر الذي عاش حياة صعبة، وعانى كثيراً من قهر السلطة، ما أوصله إلى مستشفى الأمراض العقلية غير مرّة. يقول في "غريب وجيت البلد": "عدّيت بحور وبحور/ يا جناحي يا مكسور/ وادي المسا داخل/ وأنا بدقّ الباب/ والباب ولا سائل".

في أحد أيّام عام 1988، في بيت صغير في قرية سقّارة، قرب محافظة الجيزة، كان الشيخ إمام يتوسّط مجموعة من أصدقائه، يحمل عوده ويقدّم تقاسيم على مقام الصّبا.. كانت وجوه الجالسين حوله واجمة، يبدو عليها الذهول.. ثمّ راح يغنّي "حلّوا المراكب".

كان قد مرّ عقدٌ حينها على رحيل نجيب سرور، فاستعاده إمام بكلماته، مُرتجلاً في أحد مقاطع الأغنية: "ألف رحمة عليك يا نجيب"، من دون أن يخفي بكاءه على صديقه: "يا سهرانيين في القمر.. ليل الغريب ظلْمة/ يا عيني يا ليلي.. لا قنديل ولا نجمة/ مناديل دي ولّا قلوع ؟ وده بحر ولّا دموع؟/ خدوني يا راجعين.. فايتينّي ليه ولمين؟"...

المساهمون