عمارة في انتظار الزلزال

عمارة في انتظار الزلزال

04 مايو 2015
من كَتمندو قبل الزلزال (العربي الجديد)
+ الخط -

ليست هذه المرة الأولى التي يضرب فيها زلزال الهيمالايا بهذه القوة. فقد سبق لمثيله، عام 1934، أن فتك بأكثر من 16 ألف مواطن من نيبال والهند. الزلزال الذي دمر حينها مدينتي منغر ومظفر- بور الهنديتين وكَتمندو، العاصمة النيبالية، تدميراً شبه كامل.

كتمندو اليوم تعيش فاجعة مأساوية بعدما تخطى ضحايا الزلزال، الذي وقع السبت الفائت، الخمسة آلاف، عدا الجرحى والمفقودين الذين تشير الأرقام أنهم إلى ارتفاع.

يصف العديد من سكان العاصمة النيبالية فظاعة المشهد، حيث تبدو المدينة كحاضرة للأشباح ليلاً كما نهاراً. وكان السكان قد أخلوا وحداتهم ونزلوا الشوارع في كتمندو والعديد من المناطق شرقي العاصمة بعد تحذير السلطات وتخوفها من حصول ارتداد زلزالي أقوى.

وبالعودة إلى زلزال 1934، فقد وضع بابر شامشر، وزير الدفاع النيبالي (في مملكة الرانا 1846-1951) كتاباً عن الحادثة، "في ذاك اليوم، كان قد توقّع المنجمون أن يضرب الزلزال كتمندو في الرّابعة بعد الظهر حين تصطفّ الشمس والقمر مع معظم الكواكب في المدار نفسه. آنذاك، تخوّف الجميع من خطر قادم، لكن ما لم يتوقعه أحد هو أن يحصل زلزال بهذه القوة".

في عام 1962، حذّر "العرّافون" من زلزال مشابه يضرب وادي كتمندو، حيث موقع الكواكب يتشابه مع سيناريو 1934، أو زلزال بيهار- نيبال. ولشهور، بات النيباليون في ساحات بيوتهم في العراء، أو في الطوابق الأرضية، حيث بإمكانهم الهرب سريعاً إلى الخارج عند وقوع الهزّة. لكن الزلزال تلك السّنة ضرب إيران (زلزال بوين زهرا) وليس كتمندو كما توقع المنجمون.

تنتمي العمارة النيبالية التقليدية التي تشكّل إحدى ملامح وادي كتمندو الرئيسية إلى الطراز النيواري، حيث يلخّص حجر الطّوب مع الطين والخشب المشهد المعماري. ويشكّل بناء الطّوب ذي الصّبغة القرميديّة العمود الفقري لهذا الطراز، إن لم يكن أحد أهمّ مكوناتها الثقافيّة.

ويتميّز البناء الهيكلي للعمارة الينوارية بعدد الطوابق، نظراً لسهولة التعامل مع أحجاره، وخفّة وزنها والتصاقها السّريع ببعضها، والأهمّ علاقته الأمتن مع الخشب مقارنةً بأحجار الصّخر.

معمارياً، فإنّ هذا لا يكفي لاعتماده كأسلوب، فعدم قدرة المنشأة على حمل الأوزان الخارجيّة كالشرفات جعل من الشعوب التي أصرّت على استخدامه شعوباً تلامس الانعزالية. لذا مع الوقت، استغلّ سكّانه مساحات أرضيّة خارج الأبنية (Courtyard) للتعويض والبحث عن انسجام ما مع الطبيعة.

وفي ما يتعلق بالأسقف الخشبية فيرتفع طابقها بما لا يزيد على 180سم، والأسطح حديدية رفيعة تأكلها التفاصيل. أمّا الأبنية والصروح الدينية فمرتفعة عن محيطها وسط ساحات واسعة نسبياً تفصلها عن كتمندو- المزدحمة.

قبل زلزال أرمينيا الشّهير (1988)، كان الاعتقاد المعماري السائد بأنّ البناء الحجري مشكلة في حال وقوع هزّة أرضية. حتى أثبت الزلزال الذي يعرف باسم "سبيتاك" (إحدى مدن شمال أرمينيا)، على الرغم من تدميره آلاف المنشآت وقتله ما يزيد على 20 ألف شخص، أنّ الحجر قادر على تحمّل الهزّات والزلازل، وأن المسؤولية ملقاة بأكملها على عاتق مصمّم ومنفّذ العمل.

حاول النيباليون على مدار عقود إعادة تعريف العمارة التقليدية من خلال أساليب بناء حديثة تحترم الإرث، أو العمل على جلب تقنيات معمارية حديثة بمساعدة الدول المتقدّمة. المشكلة لم تكن تتعلّق يوماً بعدم قدرة الشعب النيبالي على إيجاد الحلول المناسبة للزلازل.

فبقاء عمارات من عمر التاريخ على حالها حتى يومنا هو أساساً دليل صريح على مقدرة الشعوب على ابتكار وسائل للتعافي والاستمرار عبر معرفتها المكتسبة، منذ القرون الوسطى في حال نيبال.

دلالات

المساهمون