خزّافو الذاكرة: لوحة جماعية لفلسطين

خزّافو الذاكرة: لوحة جماعية لفلسطين

15 مايو 2015
هاني زعرب، "درس في الطيران"، 81 × 60 سم
+ الخط -
منذ النكبة، التي تصادف اليوم ذكراها السابعة والستين، حتى يومنا هذا، وتمثيلات التراجيديا الفلسطينية حاضرة بشكل جلي في أعمال الفنانين الفلسطينيين والعرب على حد سواء. وربما يكون الفلسطينيان إسماعيل شموط (1930 - 2006)، ذو النزعة التعبيرية الواقعية، ومعاصره عبدالحي مسلّم (1933) بأسلوبه الفطري؛ من أكثر الأسماء التي تستحضرها الذاكرة البصرية العربية من فناني جيل النكبة.

اشتغل الاثنان على مفردات الريف الفلسطيني، فجاءت اللوحات حافلة بأثواب النساء وعادات الريف وجسّدت الأعراس وطقوس القطاف. كانت هذه اللوحات تحضر وإلى جانبها دائماً لوحة تتذكر النكبة، تُبقي عليها مستيقظة في الذاكرة، من خلال أعمال مثل "إلى أين" و"هنا كان أبي" و"العطش على الطريق من اللّد إلى الرملة" لشمّوط.

أمّا مسلّم، فقد تجاوز رسم النكبة إلى تسجيل شهادة شفوية عنها روى فيها تفاصيل هروبه وعائلته من قرية "الدوايمة". وكأن الفنان، الريفي بامتياز، يفصح عن مهمته كشاهد على حادثة انعطف بعدها تاريخ المنطقة، وهي مهمة انعكست في لوحاته أيضاً.

إلى جانب أعمال شمّوط ومسلّم، برزت مدارس رمزية وتجريدية، وربما يكون كمال بُلاّطة (1943) وجوليانا ساروفيم (1934) وسامية الحلبي (1936) من التجارب التي تستحق التوقف عندها من ذلك الجيل وتلك التجربة.

وعلى نحو خاص، يجدر الالتفات إلى تجربة الفلسطينية منى حاطوم (1952)، التي وُلدت في لبنان بعد أن هُجّر أبواها. قدّمت الفنانة مجموعة من التجهيزات المفاهيمية التي لا يمكن أن نفصل فيها بين حاطوم الفلسطينية وحاطوم العربية وحاطوم المرأة.

وربما يكون عمل "جملة الضوء" من الأعمال التي اقتربت فيها الفنانة من النكبة، نفهم ذلك من الشعور الذي يتركه العمل لدى المتلقي؛ إذ يدخل إلى حجرة فيها خزانة مصنوعة من الأسلاك، يتلاعب فيها الظل والضوء في حركة دائمة مصمّمة بطريقة تُوصل شعوراً بالقلق لمن يقف في الحجرة، وبأن الأرض تحته غير ثابتة.

ومن الأجيال الشابة تستوقفنا أسماء مثل شريف واكد (1964) ورنا بشارة (1971) وستيف سابيلا (1975) وهاني زعرب (1976) ومحمد الحواجري (1976) وعبدالرحمن القطناني (1983).

ليس من المبالغة القول إن القضية الفلسطينية صنعت هوية تشكيلية ذات ارتباط عميق بما هو سياسي وإنساني على حد سواء، تجاوزت حدود فلسطين، حيث إن العدالة لا تصبح إنسانية وحقيقية إلا عندما يستعيد الشعب الفلسطيني أرضه وحقوقه، كما يقول التشكيلي العراقي ضياء العزاوي (1939).

عزاوي كغيره من الفنانين العرب الذين رسموا الفاجعة الفلسطينية، تمثّل جداريته "صبرا وشاتيلا" غارنيكا الفلسطينية، إن صحّ التعبير. وكذلك حاول النحات الكويتي سامي محمد (1943) تقديم المجزرة نفسها في عمل/ تمثال يجسد رجلاً مرتفعاً على مكعب معصوب العينين يحاول الإفلات.

"تل الزعتر" لـ ربيع الأخرس



من تجارب هذا الجيل أيضاً تبرز لوحة الفنان السوري لؤي كيالي (1933 ـ 1978) "ثمّ ماذا"، وظهرت فيها نساء شاحبات ومتّشحات بالسواد كأنهن نساء طروادة، يتوسطهن رجل يخفض رأسه بملامح كسيرة، يبدو الجميع في اللوحة بوجوه شاحبة وجائعة ومرهقة، أجساد مشت طويلاً وفقدت الكثير وتركت خلفها حياة بأكملها. أمّا معاصره الفنان السوري فاتح المدرّس (1922ـ 1999) فربما تكون لوحته الأشهر، ضمن سلسلة أعمال أنجزها واستوحاها من فلسطين، عمل "أمهات الشهداء" التي نفّذها عام النكسة.

فلسطين كانت أيضاً فاتحة فنية لكثير من الفنانين في بداياتهم، فمنهم من اشتغل عليها في دراسته الجامعية كمشروع للتخرج، وفي هذا دلالة واضحة حيث كانت فلسطين الموضوع الأساس.

ها هو النحات السوري زهير دباغ (1953) ينفّذ مشروع تخرجه حول مجزرة "تلّ الزعتر" (1976)، وأيضاً النحات ربيع الأخرس (1951) كان قد أنجز مشروعاً حول الموضوعة نفسها. وكذلك فعل التشكيلي السوري يوسف عبدلكي (1951) في عمله ثلاثية "أيلول الأسود"، التي أنجزها لتكون مشروع تخرجه أيضاً. في العمل، نرى الجنرال العسكري/ الوحش يتوسط اللوحة المركزية، وخلفه تتقدّم الدبابات والمدافع على جثث الخيول والبشر، أمّا في اللوحتين الجانبيتين، فنلاحظ حشداً في حالة احتجاج ومقاومة.

وفي منحوتته "جنين 2002" يختار النحات السوري عاصم الباشا (1948) أن يجسّد مجموعة من الأيدي، وهي نسخ منتجة عن قالب لنموذج حيّ في فضاء ضيق. تذكّر القبضات هنا بالأشلاء التي نراها تحت ركام البيوت المقصوفة. لقد أُنتج هذا العمل تضامناً مع الفلسطينيين في مخيم جنين في الضفة الغربية بعد تعرضه للقصف.

مؤخراً، أنتج الفنان الفلسطيني السوري زكي سلّام (1958) عملاً بعنوان "نكبة 2012" يحاكي مأساة أهالي مخيم اليرموك. التمثال الذي أنجزه الفنان في الجزائر - مكان لجوئه الحالي بعد مغادرته مع عائلته مخيم اليرموك في دمشق- يمثّل دراسة لعمل بالحجم الطبيعي، مصمم لكي يكون تفاعلياً، بحيث يستطيع المتفرج أن يعيد تكوين الشخصيات، مورطاً نفسه في مشهد النزوح.

من مجموعة "نكبة 2012" لـ زكي سلّام

المساهمون