ألمٌ يخصّ الدولة وحدها

ألمٌ يخصّ الدولة وحدها

11 مايو 2015
"عائلة كبيرة"، زانغ كيسياوغانغ/ الصين
+ الخط -

"الصين في عشر كلمات" كتاب صغير وضعه مؤلف مهم شبه مجهول لقارئ العربية. نقف مع يو هوا على الكلمات العشر التي انتقاها ليرسم مشهد الصين: شعب، زعيم، قراءة، كتابة، لو زون، تفاوت، ثورة، شعبية، تقليد، خداع. ويثير فضولك اسم الكاتب الصيني الآخر لو زون، وقد أصبح شخصٌ واحدٌ "كلمةً"/ فصلاً في كتاب عن بلاد المليار إنسان.

يخرج قارئ كتاب يو هوا منه متعباً، حاملاً معه نتيجة متوقعة ولا يمنع هذا من أن تكون مزعجة، ثمّة ألَمان مختلفان في البلد نفسه: ألم الدولة وألم الشعب، الأول تاريخي والثاني واقعي. تعيش الدولة حالة تذكّر دائم للألم التاريخي، والذي تؤرخه بأحداث قادت إلى "حرب الأفيون" مع بريطانيا (1839 – 1842) وما تلاها. كانت أول تجربة للصين مع اضطهاد الغرب، وأدّت إلى البحث عن تجسيد الصين لقوتها الدبلوماسية والداخلية.

أمّا الألم الواقعي فهو ألم الشعب، ألم الناس العاديين. ألمٌ يأتي من أسباب متعددة؛ يأتي مع غلاء المعيشة، أو من العجز عن العثور على طبيب جيد، أو من إرسال الأبناء إلى مدارس سيئة حين لا توفّر القدرة المادية بدائل.. إلخ.

يمكن للإنسان الصيني العادي أن يقارع الثورة الثقافية وينتقدها كما ومتى يشاء، وأن يتألم لتغيّر العادات والاستخفاف بالتقاليد. ولكن من غير الممكن أن يلتفت إلى ألمه الذي يخصّه والأقرب إليه من حرب الأفيون. لا يمكنه أن يتذكر جرح "ساحة تيانانمين" مثلاً، ولا أن يعطي هذا الألم/التابو صوتاً.

في الماضي كانت آلام الناس متطابقة، يخبرنا يو هوا أن الأمر يختلف الآن. بعيداً عن بكين وشانغهاي والمدن الساحلية الكبرى، ما زالت المدن على حالها قبل الانفتاح الاقتصادي والإصلاح. بالنسبة لمواطن صيني يعيش بعيداً عن المراكز والعواصم - وهو حال ملايين الصينيين - من الصعب أن يجد علاقة عضوية بينه وبين التغيرات التي حدثت وتحدث في البلاد. إنه يشعر بالخدر تجاهها، يراها فقط على التلفاز. أمّا صيني المدن الكبرى، فهو إمّا مواطن ناجح أو يسعى إلى النجاح؛ مواطن حالم، ليس لديه معلومات عن بلده سوى تلك التي تعلنها الدولة أو يتاح لها الظهور في الإعلام.

الأول يرى في الصين بلداً إشكالياً وربما مُرهِقاً، ذلك أنه قادر على معرفة الأمور التي لا تُعلن لعامة الصينيين. بينما لا يرى الثاني شيئاً من ذلك في بلاد تُضغط فيها حرية الصحافة إلى حدودها الدنيا، فلا يطلب من الحريات سوى سيولة تناقل المعلومات الاقتصادية ورفع أيدي ذوي النفوذ عمّا يساهم في نجاح مشروع أو يحد من فشل آخر.

قلما تختبر الدولة (ممثلة بمسؤوليها) آلام الشعب، الجرح الواقعي، ولذلك تنساها، أو تتناساها، بينما تُبقي على الألم التاريخي حياً. ومتى تكون الحياة اليومية ثقيلة، فليس لدى الإنسان العادي طاقة للالتفات إلى الألم التاريخي، الذي غدا مع الوقت جرحاً يخصّ الدولة وحدها.

المساهمون