على خطى أفلاطون

على خطى أفلاطون

03 ابريل 2015
بطرس المعري / سوريا
+ الخط -

على الرغم من أن أفلاطون لم يعد يجد أنصاراً لنظريته التي دعا فيها إلى طرد الشعراء والمسرحيين من جمهوريته الفاضلة، بدعوى أن لشغلهم تأثيراً مفسداً معرفياً وأخلاقياً، فإن أي كلام عن "حرية التعبير" لا بد أن يمرّ عبر مصفاته التي قد ينظر إليها بعض الكتّاب على أنها الأساس الفكري الذي اتخذته القوى المناهضة لحرية الكلام مرجعاً لها.

ومنذ أفلاطون إلى أيامنا هذه لم تحلّ هذه المسائل، ويميل "نايجل ووربيرتن"، مؤلف كتاب "حرية التعبير"، إلى القول إن تاريخ حرية الكلام (وهي عبارة واسعة الطيف، يمكن أن تشمل حرية التعبير المكتوب والشفوي) هو تاريخ منع الأشخاص من القول، سواء بالرقابة، أو الاعتقال، وإن الأنظمة الحاكمة تختار السير على خطى أفلاطون، فيما تجيز تمجيد سقراط، من دون أن تسمح لأي "سقراط" آخر بتكرار سلوكه أو أفكاره.

وفي عالمنا العربي اقتصرت معالجة قضايا حرية التعبير على الجانبين الأمني والأخلاقي، بينما ظل الجانب القانوني فضفاضاً، وبعيداً عن التداول العام، برغم أن الدساتير المكتوبة تحاول أن تضمن حرية التعبير، ولكن في عبارات عامة وملتوية تفتقر إلى الشواهد.

وليس لدينا قضايا في حرية التعبير يمكن القياس عليها. ولهذا يميل أنصار المنع إلى التجييش الشعبي ضد المؤلفات المعنية، وفي الحالات التي حوكمت فيها الكتب، استندت المحاكم إلى المقدّس كي تخرس القانوني أو الفكري. وما نزال حتى اليوم نلجأ إلى المقارعة والرد، لا إلى الحوار والنقاش في القضايا التي تواجهنا، سواء أتت من الداخل، مثل قضية "وليمة لأعشاب البحر" أو مؤلفات نصر حامد أبو زيد؛ أو جاءت من الخارج، مثل قضية الرسوم المسيئة إلى الرسول.

واللافت هنا هو أن المعترضين على الكتب يمنحون أنفسهم حرية الكلام والتعبير، بكل الوسائل، بما في ذلك العنف اللفظي الكتابي أو الشفوي، أو الجسدي، في القضية ذاتها التي يرومون فيها مصادرة، أو منع، أشكال التعبير لدى الآخرين.

في المقابل، فإن لدى أوروبا وأميركا سجل حافل في الحوار حول هذه الموضوعات. ويدور النقاش حول حرية الكلام، وليس حرية التعبير في الكتابة الأدبية أو الصحافية أو التاريخية أو غيرها فقط. وبينما يقول جون ستيوارت مل، إنَّ البشر كلهم إذا اجتمعوا على كلمة عدا شخص واحد، لا يحق لهم إسكاته، يقول القاضي هولمز إن حرية الكلام لا ينبغي أن تتضمن حرية الصراخ بكلمة "حريق" في مسرح مزدحم.

واللجوء إلى المحاكم في المسائل التي تخص حرية التعبير، مثل قضية المطالبة بمنع رواية "عشيق الليدي تشاترلي" لـ د. إتش. لورنس في بريطانيا، أدى إلى استدعاء عشرات النقاد والروائيين ورجال السياسة الذين شاركوا كشهود للدفاع أو للادعاء، لصياغة قرارٍ يجيز الرواية، أو يمنعها. بينما يقتصر اللجوء إلى المحاكم في ثقافتنا على الرغبة في استصدار حكم مؤيد للمنع، لا في تبيان وجهات النظر القانونية أو الأخلاقية، أو الفكرية. فغاية التقاضي هي الغلبة، لا ثقافة العدالة، أو قضايا حرية التعبير.

المساهمون