تماثيل الجزائر: ملهاة السلطات والهواة

تماثيل الجزائر: ملهاة السلطات والهواة

23 ابريل 2015
تمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس
+ الخط -
تُحدّد حكاية نصب "عين الفوارة" في مدينة سطيف، علاقة أجيال ما قبل الاستقلال الوطني بفن النحت. فقد أراد الحاكم الفرنسي عام 1898، أن يخدش حياء قاصدي المسجد العتيق الذي يعود تاريخه إلى عام 1845؛ بأن جلب منحوتة لامرأة عارية، طلبها خصيصاً من النحات فرانسيس دو سانت، ونصبها في احتفال كبير بالقرب من المسجد وسط المدينة.

سكان المدينة احتضنوا المنحوتة بجسدها العاري وثدييها الصارخين، وحولوها إلى مزار خلقَ عفوياً، طقوسه وأساطيره وتعابيره الفنية، وجدّد السكان ارتباطهم بـ"وليتهم الجميلة" حين تعرضت لاعتداء عام1997؛ إذ خرجوا في مظاهرة حاشدة ليطالبوا السلطات بترميم التمثال فوراً.

في مشهد موازٍ وطازج هذه الأيام، طغت الإهانات التي يتعرض لها تمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس مؤسس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" (1889 ـ 1940)، في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على فعاليات انطلاق تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015".

التمثال - أُزيل ليلة الاثنين 20 نيسان/ أبريل- الذي يُشاع بأن شركة برتغالية عاملة في المدينة تبرعت به، مصنوع من مادة سريعة التلف، كما أن الحيز الذي خصص له في قلب المدينة ضيق ويعطّل حركة المرور. إضافة إلى أن حجمه الصغير الذي يصوّر الشيخ الذي يعد رمزاً علمياً وثقافياً للمدينة في حالة جلوس، جعله عرضة لطيش الشباب وانتهاكات الأطفال، منها وضع السجائر في فم التمثال والتقاط صور معه.

هذه الوضعية أعادت إلى الواجهة النقاش الذي أثير قبل سنوات قليلة، بمناسبة إعادة طلاء تمثال الأمير عبد القادر المعروف بمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، والذي نحته البولوني ماريان كونييتشيني عام 1982، ونصب في شارع "العربي بن مهيدي" في الجزائر العاصمة، بمادة وطريقة غير لائقتين، بالموازاة مع نصب تمثال له في قلب مدينة معسكر، لفنان هاوٍ ومغمور نحت "ما يشبه الأمير".

أهم الأسئلة التي طرحت خلال هذا النقاش الذي فتحه فنانون وكتاب وإعلاميون: إذا كان من واجب السلطات الإدارية أن تتكفل مالياً بمشروع تمثال معين لشخصية ثقافية أو وطنية معينة، فهل من حقها، وهي غير مؤهلة فنياً، أن تحدد اسم النحات وطبيعة المادة التي ينحت منها، وطبيعة المكان الذي يوضع فيه التمثال؟

ذلك أن هذه الإدارات تلجأ في سرية تامة، وبعيداً عن استشارة النخب الفنية، إلى التعاقد مع فنانين هواة، همّهم أن تظهر أسماؤهم، ولا يشترطون مبالغ عالية كما يفعل المحترفون، كل ذلك على حساب تاريخ وسمعة الشخصية المنحوتة.

في هذا السياق، علت أصوات تتطالب بضرورة تشكيل هيئة وطنية لها الخبرة والسلطة الكافيتان، للإشراف حصرياً على مثل هذه المشاريع، خصوصاً من جهة تحديد الأسماء المعروفة والمحترفة التي تقوم بعملية النحت، بحيث لا يأخذ التمثال قيمته من الشخصية التي يمثلها فقط، بل من قيمة نحاته أيضاً.

دلالات

المساهمون