محمد الباز: مزاولات بصرية بلون الغرق

محمد الباز: مزاولات بصرية بلون الغرق

16 ابريل 2015
"حب أسمى"، تسجيل صوتي ونيون وصندوق خشبي، 2015
+ الخط -

"مزاولة المستعصي، تفاصيل" هو عنوان المعرض الذي تستضيفه غاليري "إيمان فارس" الباريسية حالياً للفنان المغربي المتعدد الوسائط، محمد الباز، الذي يعد من الأسماء البارزة في الفن المغربي المعاصر.

قد يبدو أن الوسيط الأساسي في أعمال الباز قائم على مفهوم التجهيز، إلا أنه لا يوجد شكل فني محدد يربط أعماله، بل يبدو أن علاقتها مع بعضها بعضاً تتلخّص في كونها "تفاصيل" ضمن مشروعه القديم ــ الجديد، "مزاولة المستعصي"، وهو العنوان الذي استخدمه الفنان للمرة الأولى عام 1993 كنصٍ مكتوبٍ على جدار في معرض "منتصف العالم"، في "المركز الإقليمي للفن المعاصر" في مدينة سيت (جنوب فرنسا). عنوان مقتبس من كتاب "المياه كلها بلون الغرق" للكاتب والفيلسوف الروماني إميل سيوران.

يجّهز الباز "تفاصيله" الجديدة، في هذا المعرض، ضمن فضاءات مختلفة، مستخدماً، كعادته، وسائط متنوعة من الصورة الفوتوغرافية، والفوتومونتاج، والفيديو، والتسجيلات الصوتية، والنحت والتركيب.

في غرفة الغاليري السفلية والمستقلة عن الفضاء العلوي، اختار الباز أن يعرض عمله "حب أسمى" ضمن حالة طقوسية خاصة. فاللون الأسود القاتم يغلّف المكان بشكل كامل. أما في وسط الغرفة وعلى صندوق خشبي يحاكي شكل القبر، فيرتفع تكوينٌ من "النيونات" الحمراء المضيئة، يمثل خطوطاً خارجية بسيطة، غير مكتملة لإنسان.

المادة الصوتية المرافقة للعمل عبارة عن جمل متتالية هي بمثابة رسائل للمتلقّي تبدأ جميعها بكلمة أدعوكم: أدعوكم إلى غناء أغانيكم المفضلة، أدعوكم إلى حرق وجوهكم، أدعوكم إلى إشعال الضوء في أجسادكم، أدعوكم إلى رسم كل أنهار العالم، أدعوكم إلى البقاء صامتين، إلخ. يكتشف المتلّقي وهو يسمع هذا التسجيل الصوتي، غير المترابط، أنه صوت المترجم "الأوتوماتيكي" لمحرك البحث "غوغل".

مقابل هذا التجهيز المركب والمعقد، هناك أعمال أبسط للتلقي، سواء من حيث الأدوات أو الرسالة التي تحملها، كما في عمل يحمل عنوان "ليلة على كوكب الأرض" نشاهد فيه ساعة حائط عملاقة معلقة على الجدار، أحد عقاربها يحمل مجموعة رؤوس حادة تحفر، أثناء دورانها، مدارات متوازية على حائط الغاليري. إنها تحفر ببساطة أثرها في المكان لتجعل من الزمن مادة ملموسة.

أعمال الباز، المولود في مدينة قصيبة المغربية عام 1967، عبارة عن أسئلة مفتوحة يطرحها على نفسه ويشاركها مع المتلقي. أسئلة عميقة تدور حول مفاهيم عامة تشغله، كالعلاقة مع الآخر ومع العالم، وظيفة الفن ودور الفنان، الانتماء، الاختلاف، الحالة الاجتماعية، الفروقات الطبقية، مفهوم الشتات وفكرة الحدود السياسية والجغرافية، كما في عمل "الأنهار تحرق" حيث يتموضع على أحد جدران الغاليري تأليف من ست لوحات مربعة الشكل ومطرزة باللون الذهبي تمثّل رسوماً لمجاري بعض الأنهار في العالم.

قد تبدو تلك التطريزات المذهبة، للوهلة الأولى، مجرد خطوط تجريدية لا معنى لها، وهذا بالضبط ما يريده الفنان، ليفتح السؤال، بطريقة لا تخلو من السخرية، عن معنى الحدود الجغرافية التي اخترعها الإنسان.

في عمل آخر يحمل عنوان "أحلام"، يتناول الفنان موضوع الفحولة بطريقة لا تخلو من السخرية أيضاً، حيث نرى مجموعة من صور حيوانات برية بأعضاء تناسلية اصطناعية. يحمل هذا "المونتاج كولاج" فكرة رمزية عن الفحولة العقيمة، محولاً تلك الكائنات إلى مخلوقات هجينة أقرب إلى مفهوم الوحش.

"مزاولة المستعصي"، الذي يستمر حتى السادس من حزيران/ يونيو القادم، ليس مجرد معرض فني تقليدي، وإنما دعوة لاكتشاف أشكال جديدة للتواصل مع العالم. هو مشروع الفنان المتراكم والمستمر الذي تقع تفاصيله بين المادي الآلي والروحي الشاعري، وتلغي بطبيعتها الحواجز بين الجدّي والهزلي.

المساهمون