سعود السنعوسي.. روائي من زمن العروبة

سعود السنعوسي.. روائي من زمن العروبة

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
09 مارس 2015
+ الخط -

بفضل الجوائز التي نالتها روايته "ساق البامبو"، أصبح سعود السنعوسي (1981) أحد أبرز الأسماء الروائية في جيله. وقد أعلن منذ أيام عن نشر رواية جديدة بعنوان "فئران أمي حصة"، تتناول آثار ونتائج الاحتلال العراقي على المجتمع الكويتي، لا سيّما على تبني "فكرة العروبة وقضية فلسطين". "العربي الجديد" حاورته حول إشكاليات أعماله وما تطرحه.

نشر السنعوسي مؤخراً مقطع فيديو عبر صفحته على فيسبوك بعنوان "الفئران آتية.. احموا الناس من الطاعون" وهي عبارة يستقيها من المسلسل الكويتي "على الدنيا السلام". في هذا المقطع يعلن الكاتب عن روايته الجديدة ويحذّر من خطر "طاعون الطائفية البغيضة الذي ينهش في جسد البلد المعتل بسقمه، فتحيله إلى فرق متنازعة تبحث عن تمكين رأيها وأهوائها".

بالمقارنة مع روايته السابقة "ساق البامبو"، يقول السنعوسي لـ "العربي الجديد" عن روايته الجديدة: "إذا كانت "ساق البامبو" ترصد علاقتنا بالآخر، فعملي الجديد يرصد علاقتنا ببعض، في الداخل. العلاقات بين مكوّنات المجتمع الكويتي، ولا سيّما التحولات التي طرأت على هذا المجتمع وعلاقته بالعروبة والعرب، خاصة الفلسطينيين بعد الاحتلال العراقي للكويت عام 1990".

رصد الروائي تطوّر الفكرة العروبية في الكويت، ويقول "أنا من آخر الأجيال التي شهدت وعاشت ذلك الزمن. كنا في المدرسة، يومياً وقبل الحصة الدراسية الأولى، ننشد "تحيا الأمة العربية". كان هناك شغف بقضية فلسطين، وكان الحضور العربي والفلسطيني موجوداً من خلال المعلمين، ومن خلال الصحافة. وكان الحضور الفلسطيني قوياً جداً، ولا تستطيع أن تنتزعه من نسيج المجتمع الكويتي. ولكن، وخلال سنة واحدة، اختفى هذا الحضور، وتغيّرت الكويت". ويضيف "شخصياً، أعتبر أن جيلي، بالذات، تلوّث كثيراً".

تذهب بنا رواية السنعوسي الجديدة إلى مشكلات كويتية أخرى، إذ يطرح قضايا كالطائفية والقبلية، وهو يشير إلى أنه لا يريد أن يكون "تقليدياً في الانتقاد، كما كنا في التسعينيات، بإلقاء أي مشكلة على الغزو".

يتزامن صدور رواية "فئران أمي حصة" مع ظهور ترجمة "ساق البامبو" للإنجليزية والتي أنجزها جوناثان رايت؛ وهو مترجم بريطاني قام بترجمة روايات عربية أخرى مثل "تاكسي" للخالد الخميسي، ورواية "عزازيل" ليوسف زيدان. وعن سؤاله عن هذه الترجمة قال: "يهمّني أن يُترجم العمل إلى لغات أخرى غير العربية، حتى ولو كان موضوع العمل محلياً بشكل أو بآخر".

من زاوية نظر مغايرة، نلاحظ انفتاح الآخر على الآخر عبر تركيبة شخصيات رواياته، فبطل "ساق البامبو" عيسى الطاروف كويتي-فيليبيني. يقول الكاتب عنه "إن هذا الولد المتشظي الهوية بين الفيليبين والكويت يوجه رسالته إلى الكويت، وكيف رأى الكويت والكويتيين. وبعد احتكاكي مع الآخرين في الفعاليات والمهرجانات الأدبية في أوروبا وجدت أنه كما تُقرأ "ساق البامبو" بصوت الفيليبيني-الكويتي، يمكن أن تقرأها في أميركا عن المكسيكي-الأميركي، وهي حالة يمكن أن تسقطها على أكثر من مكان، حيث الآخر في مكان لا ينتمي إليه".

هنا نسأله "هل هناك أزمة هوية في العالم، أم أن العولمة قفزت على هذا السؤال؟"، فيجيب "يُفترض أن العولمة أذابت الفوارق، ولكن يبدو أنه ليس بهذه السرعة، ما زلنا نعيش هذا المأزق. أحياناً تعاني من أزمة الهوية وأنت صاحب المكان. المكان، اليوم، يتغير، الشعور بالغربة وأسئلة كثيرة تفرض نفسها، بالذات، على جيلنا، جيل التطورات السريعة".

فهل يعاني السنعوسي من أزمة هوية؟ هو لا يعتقد ذلك، بل يشعر "بغربة في كل مكان. ليس أزمة هوية، لكن شيئاً يشبه ذلك. عندي هذا الحنين إلى المكان، ولنقل الماضي النسبي، ماضيّ أنا، وليس ماضي الغوص من أجل اللؤلؤ".

يلاحظ أنه "في كل خمس سنوات تتغير الكثير من الأمور، تتغير الثقافة ويتغير المكان والأسماء، تتغير حتى أسماء الشوارع. هذا بشكل أو بآخر يدخل في نطاق الهوية. يعني مكاني ما عاد مكاني. أشعر بغربة في مكاني، وهذا طبعاً موضوع غير متعلق بالكويت والخليج فقط، بل يحصل في العالم ككل، نتيجة التطور السريع والمتلاحق، وهذا مزعج جدا".

عادة ما يواجه الكتّاب الشباب تضييقات من الأوساط الاجتماعية والثقافية التقليدية، خاصة حين يخضون في قضايا مثل الزواج بخادمة فيليبينية أو قضايا جنسية أو ملامسة قضية البدون. سعود السنعوسي يرى أن جيله استفاد من تطرّق مثقفين سابقين له لمواضيع مشابهة.

يقول: "في كل هذه الموضوعات، لم آت بجديد، يمكن أن يكون أسلوب المعالجة مختلفاً. إذا تحدثنا عن زواج الكويتي من الأجنبية فالمسرحي صقر الرشود، رحمة الله عليه، عالج هذا الموضوع في الستينيات في عمله "ضاع الديك". أيضا مسألة البدون، كتبت عنها الروائية الكويتية بثينة العيسى وناصر الظفيري وإسماعيل فهد إسماعيل".

لكن السنعوسي يعترف من جهة أخرى أن "جيل الشباب ومن هم أصغر تقبلوا رواية "ساق البامبو" بصدر رحب، وتعاطفوا مع بطلها عيسى الطاروف تعاطفاً كبيراً، أما كبار السن فبعضهم قد تحسّس من الأمر، على أساس أنه يشكل دعوة للزواج من الخادمات، ممّا يعني تخلياً عن عاداتنا وثقافتنا".

سألنا الروائي الكويتي هل أن "عيسى الطاروف شخصية حقيقية؟" فأجابنا "أنا، عادة، لا أجيب عن هذا السؤال. أتصوّر أن كل روائي عندما يكتب يريد، قدر الإمكان، أن يقنعك بأن الشخصية التي ابتدعها حقيقية. لا أريد أن أقول إن عيسى الطاروف شخصية حقيقية، فأبخس حقي في البحث وتشكيل الشخصية والعجن والخلق. ولا أريد أن أقول إنه شخصية خيالية بعدما آمن القارئ بأن عيسى الطاروف شخصية حقيقية، ولذلك لن أجيب عن هذا السؤال".

على عكس الكثير من الكتاب الذين يخجلون من أعمالهم التي سبقت وصولهم إلى صوتهم الأدبي، لا يخجل السنعوسي من عمله الأول" سجين المرايا" رغم أنه لم يأخذ نفس صدى "ساق البامبو". يقول بأنه "عمل أحبّه كثيراً، برغم الكثير من التحفظات التي بدأت أعيها الآن، حول شكل العمل والأسلوب والأدوات". وهو يرى أنه "لولا "سجين المرايا" والانتقاد الذي وصلني لا أتصوّر أنني كنت سأكتب "ساق البامبو". وكذلك ما وصلني من انتقاد لـ"ساق البامبو" سيجعلني أتجنّب الأخطاء التي وقعت فيها في عملي المقبل".

وتُحدثنا "سجين المرايا" عن شخص يعاني اضطرابات نفسية بسبب ماضيه، فقد استشهد والده وماتت أمه وهو في سن صغيرة، وظل يبحث عن حب ولا يدري هل يبحث عن أم أو عن حبيبة. وحين يتعرف على فتاة يعيش معها قصة حب يتضح من خلالها أنه كان يبحث عن أمه.

يشير السنعوسي "أردت أن أقول كل شيء في "سجين المرايا"، ولذلك ظهر العمل غير واضح المعالم والمعاني. كل ما كان يشغلني رميته في هذا العمل، بعكس "ساق البامبو" حيث كان عندي خط معيّن وحدود لا أستطيع أن أقول فيها أكثر مما يقوله عيسى الطاروف".

يرى ملاحظون للشأن الثقافي العربي بأن الكويت قد سجلت تراجعاً في دورها الثقافي، بعد أن كانت رائدة في السبعينيات والثمانينيات، وخصوصاً عبر المجلات الثقافية والإصدارات المختلفة. يتمنى السنعوسي أن تستعيد الكويت عافيتها وتلعب هذا الدور مجدداً. يقدم قراءته قائلاً "الديمقراطية، مع الأسف، تحوّلت اليوم إلى سبب من أسباب تدهور الثقافة في الكويت، من حيث المنع والحجب والرقابة ومطاردة الأمسيات، إذ تأتي هذه المضايقات اليوم في الغالب من داخل مجلس الأمة". هذا الوضع يقلق السنعوسي، خاصة وأنه يلاحظ "عدم وجود خطة واضحة على عدة مستويات أولها التدريس والعمل على تنمية الإنسان".

تطال السنعوسي اتهامات كثيرة بخصوص فوزه بجائزة البوكر 2013، حيث قيل بأنه حاز عليها لاعتبارات جغرافية، حيث أن الجهة القائمة عليها كانت تريد فائزاً خليجياً. لا ينفعل السنعوسي من هذا الاتهام بل يقول "سمعت ما هو أقسى من ذلك، قيل إنني اشتريت الجائزة، وأنها منحت لي لأنني انتقدت الخليج. والبعض يقول إن لجنة التحكيم من غير المتخصصين ومن غير الأكاديميين، وهذا الكلام صحيح، ولكن إذا أخذنا الاعتبارات الأساسية أو الأصلية للجائزة التي هي ابنة الجائزة الأساسية في بريطانيا، لوجدنا أن هذه الجائزة تعتبر جائزة شعبية. في إحدى السنوات، كان عضو لجنة التحكيم سائق تاكسي".

كما يشير السنعوسي إلى أن حجّة التوزيع الجغرافي واهية "فمن فاز في السنة الأولى 2008 مصري، وفي السنة الثانية 2009 مصري، بل من دار النشر نفسها. فلو كان هناك اعتبارات جغرافية لما فاز بها مصريان، وهما بهاء طاهر ويوسف زيدان، لا أريد أن أدافع عن جائزة بوكر، ولكنها أكثر الجوائز العربية حيادية حالياً".

المساهمون