الثقافة الليبية: حكومتان وشتات واحد

الثقافة الليبية: حكومتان وشتات واحد

05 مارس 2015
معتوق أبو راوي / ليبيا
+ الخط -

حالة الانقسام التي تعيشها ليبيا حالياً بين حكومة الشرق في مدينتي البيضاء وطبرق، وحكومة الغرب في طرابلس ومصراتة، تمثل عائقاً كبيراً أمام تنظيم أو إنجاز أي نشاط ثقافي. فالمشهد الثقافي في البلد اليوم هو عبارة عن مجموعات من المثقفين لكن بلا ندوات، ولا مهرجانات، ولا معارض كتب، ولا معارض تشكيلية، ولا منشورات.

بلاد تديرها حكومتان، وبالتالي فالشأن الثقافي موزّع بين وزارتي ثقافة ووزارتي إعلام. والمثقف أو المبدع، إما محسوب على طرف ما يوظف قدراته لديه، أو أنه متحفظ من دخول المعارك التي يجلبها عليه إبداء أي انحياز لإحدى الحكومتين. لذلك، فهو ينأى بنفسه عن المشاركة في أي نشاط ثقافي تنظمه جهة رسمية، خشية أن يحسب من المصطفين مع إحدى الحكومتين، الأمر الذي سيعرضه لمتاعب كبيرة هو في غنى عنها.

الكاتب والمترجم عطية الأوجلي، وهو زير ثقافة سابق في أول حكومة بعد الإطاحة بالقذافي، يرى أن ما يحدث للثقافة في ليبيا "حالة مؤسفة، وانعكاس لحالات التشرذم والانقسام والاستقطاب في المجتمع".

وهو يتمنى "لو كان للمثقفين موقف مميّز، وكانوا تعبيراً عن ضمير الأمة ومدافعين عن القيم الإنسانية وعن الحريات العامة للجميع، بعيداً عن هذه الانقسامات الوهمية التي غالباً ما تغذيها المصالح الآنية والذوات المتضخمة".

يدعو الأوجلي إلى "أن تسمو القيم الإنسانية فوق الانتماءات السياسية أو القبلية، وفي حال حدث العكس، فلا ثقافة تستحق الحديث عنها، ولا مثقفون يستحقون الاستماع لهم".

هذه الحالة قد فرضت على الليبيين أمراً واقعاً قاسياً يمتد أثره السلبي على تلبية هؤلاء لمختلف الاستحقاقات والمشاركات الليبية الخارجية. رئيس "اتحاد الناشرين المغاربة"، علي عوين، كان من المفترض أن يكون في "معرض الدار البيضاء للكتاب"، وقد تلقى دعوة المشاركة، من وزارة الثقافة المغربية قبل المعرض بأسبوعين، لكنه لم يتمكن من تلبية الدعوة لأنه يقطن في غرب ليبيا، الجزء الخاضع للمؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ غير المعترف بهما دولياً.

كما سجلت المشاركة الليبية في "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، هذا العام، غياباً ملحوظاً للمثقف الليبي. ورغم الجوار الجغرافي، فلم يمثل ليبيا سوى وفد صغير، يمكن اعتباره وفداً رمزياً، وهو يمثل حكومة الشرق.

القاص عوض الشاعري، مدير صحيفة "المختار"، يشير إلى أبعاد أخرى للمسألة، وهي "أن المشاركات الخارجية وحضور المعارض تعتمد كالعادة على المعارف والمقربين من المسؤولين أو أصحاب الحظوة في كل العهود".

يعلّق المخرج المسرحي، شرح البال عبد الهادي، على هذه الحالة بالقول: "يعيش المثقف الليبي هموم الوطن، أكثر من الساسة. ما نحن فيه الآن من انقسام فرضه علينا الوضع السياسي الراهن". ويضيف صاحب مسرحية "وجوه": "علينا عند حضورنا للملتقيات الدولية ألا نلتفت للانقسام الداخلي، وأن نتحدث باسم ليبيا واحدة".

بدوره، يعلّق الإعلامي والشاعر يوسف عفط، من مصراتة، على دور المثقف الليبي في ما يحدث، فيقول: "في الوقت الذي ننتظر من المثقفين أن يجتهدوا من خلال إبداعاتهم وأقلامهم وأصواتهم من أجل وحدة وطنية منشودة، خصوصاً أولئك الذين يحظون بشعبية واسعة في مناطقهم، نرى أغلب المثقفين الليبيين قد انجرّوا بتصريحاتهم وكتاباتهم إلى تعميق الجرح، وتعزيز ثقافة الانحياز، بين منحاز إلى "كرامة" بحجة الحرب على الإرهاب، أو إلى "فجر ليبيا" بحجة فوبيا الأزلام والخوف على الثورة".

ويرى القاص حسام الدين الثنّي أن "حالة انقسام المثقف تجسيد واضح لظاهرة تمزّق الشارع الليبي بين رؤية مدنيّة وأخرى ثوريّة". وهو يعتبر أن "المثقف وليد هذه الثقافة، وقد تأثر بها وعانى ضغوطها بقدر ما أثر فيها ومارس تشويشه وأعلن تماهيه وتمزقه". وفي الحقيقة، لا يقوم المثقفون إلا بترديد وجهات النظر العامة التي يتبناها التياران، فلم يستطع "مثقفو كل شق تجاوز شعارات جاهزة، وظلوا متبنّين رؤية ضيقة".

ويفسر الشاعر كمال الشلبي ابتعاد المثقف عن التأثير والفعل، فيقول: "المثقفون كلهم يضعون حلمهم الوردي على سترة الجنرال. إنهم يعيشون أوهاماً تشبه التي تعلّقوا في أجوائها زمن النظام السابق". الشلبي هو أيضاً عضو البرلمان عن مدينة الخمس، وهو من النواب المقاطعين لجلسات البرلمان المعترف به في طبرق.

عن المثقفين الليبيين، يضيف: "هم سلبيون إلى درجة كبيرة. لا حضور لهم البتة في التشكّل السياسي والاجتماعي الذي يحصل الآن في ليبيا".

هكذا تبدو الحياة الثقافية مشلولةً في ليبيا اليوم. لقد انعكست حالة الانقسام السياسي على الثقافة، فلم يبق للمثقف فضاءً يتحرك فيه. حتى أننا لم نعد نسجل غيابه عن المشهد السياسي فحسب، وإنما عن المشهد الثقافي أيضاً، ما منح الفرصة لكثير من الأدعياء لتصدّر المنابر التلفزيونية وغيرها، مقدّمين صورةً سيئةً ومخجلةً عن المثقف الليبي في الوقت الراهن.

المساهمون