زياد دلول.. في الثناء على ما تبقّى

زياد دلول.. في الثناء على ما تبقّى

02 مارس 2015
"سرير في غابة"، زيت على ورق، 42×56 سم
+ الخط -

لا يبدو الدخول إلى عالم التشكيلي السوري زياد دلول بالمهمة السهلة. فللوهلة الأولى نظن أننا أمام لوحة تستدعي مشهداً من الطبيعة، لنكتشف ونحن نستغرق فيها عالماً غنياً بالأشياء، يتأرجح بين الواقعي والسحري، عالماً موازياً للطبيعة يبحث فيه الفنان عن اللامرئي.

في معرضه المقام حالياً في "غاليري كلود برنارد" في باريس، ويستمر حتى 14 آذار/ مارس، يدعونا دلول (1953)، إلى التعرّف إلى عالمه الخاص. لوحات تحتفل بالطبيعة والحياة، لا تحمل مفرداتها المستمدة من الواقع طبيعة وظيفية ولا دلالات خارج حدودها الوجودية، بل تتكرر في الأعمال مُنتجةً تكوينات مختلفة للموضوعة نفسها.

يقول الناقد الفرنسي بيير كابان عن تجربة الفنان: "لا تمثيل للطبيعة، إنما إرهاصات على حدود المرئي والمتخيّل في هسيس العناصر والأشياء وفي الحضور الدافئ للحياة".

في "ثلاثية احتفال الغائبين"، وهو عنوان المعرض أيضاً، نشاهد الأشياء وهي تتراكم: الأواني، الصحون، الرمان والقرع المجفف والستائر المتدلية كشلالات مياه، تتوزع على الموائد محاصِرةً أشباح الأشجار الداكنة والقصب الرفيع المنتصب في اللوحة المركزية.

الصياغات الطافحة بالشعر في هذا العمل، كما في باقي أعمال الفنان، تجعلنا ندرك مكانة الشعر المميّزة في أعمال دلول، لذلك لا نستغرب تعاونه سابقاً مع أدونيس في إنجاز عدة كتب، منها "مسيرة الرغبة في جغرافيا المادة" و"كتب المدن".

الترابي، الأصفر، الأحمر، البنفسجي، الأزرق، الأخضر هي الألوان الأساسية التي نجدها في مزّاجة الفنان، يفرشها على فضاء لوحته محدداً تكويناته. يراكمها بشفافية فوق بعضها بعضاً، راسماً فوقها حدود أشيائه، ليوزع، بعد ذلك، الظل والضوء بإيقاعات متفاوتة تخلق، أغلب الأحيان، حالة من الانسجام.

يشكّل الضوء أحد أسرار الجاذبية في أعمال دلول، فهو يحفر بهدوء ولطف أخاديد على سطح اللوحة محوّلاً مفرداتها إلى أشياء حية، ومانحاً إياها قيمة سحرية، كما في لوحة بعنوان "سرير القصب"، حيث ينتشر الضوء على السرير فتشعّ المائدة والأغراض والقصب الذي يظلل المكان.

طبيعة صامتة، تقنيات مختلطة على ورق، 66×51 سم


كما في معظم الأعمال المعروضة، يتأرجح المكان هنا بين الحميمي (السرير)، والوحشي (الغابة). إنه أشبه بحديقة سرية أو رسم متخيّل لجنّة مهجورة. صحيح أن العنصر البشري غائب عن أعمال دلول، لكننا نستشعر حضوره في التفاصيل الصغيرة وحيوية الأشياء، كما أن حفيف الأشجار وخرير المياه المتخيلين اللذين توحي بهما اللوحة يجعلاننا نشعر بوجود الحياة بشكل ما.

الرسم عند دلول حقيقة ملموسة، لا يقوم على استعراض المهارة التقنية، رغم تقنيته العالية، ولا على استنساخ عن الواقع، رغم استناده في الرسم على مفردات واقعية، وإنما يقوم على حالة من التراكم المعرفي والبحث الفلسفي. أعمال تكسر أفكارنا النمطية عن الفن المنتج في زمن الحرب، وتدعونا إلى الاحتفال بالحياة والطبيعة.

المساهمون