حرافيش أم أوباش؟

حرافيش أم أوباش؟

06 فبراير 2015
بطرس المعري / سوريا
+ الخط -

في قصته "أشياء لا تموت"، من مجموعة تحمل الاسم ذاته، ينقل محمد عيتاني عن المؤرخ فيليب حتي في كتابه "لبنان في التاريخ" أن ملّاحاً من مدينة صور اسمه "علّاقة" قاد ثورة شعبية ضد أحد الخلفاء الفاطميين، وتحدى سلطة جيشه، ووقف مدة في المدينة إلى أن أُجبر على الاستسلام، فسُلخ حيّاً وحُشي جلده تبناً وقشاً وعُرض على الناس.

يكتب عيتاني قصة تتضمن حواراً متخيلاً بين جلد القش وشبح البحار الذي ظل يجوب المنطقة طوال الوقت باحثاً عن جسده الضائع إلى أن يعثر عليه ويدفنه كما يليق ببطل، حيث سينبت "فوق بقاياه حقل من القمح الأخضر النضير".

وفي كتابه "حكايات الشطّار والعيارين في الأدب العربي"، يذكر محمد رجب النجار أنّ عيّاراً اسمه "حسن التراب" تمكن من السيطرة على دمشق ثماني سنوات، إلى أن حاصرت الدولة الفاطمية بجيوشها المدينة وأرغمته على الاستسلام.

يختلف المؤرخون العرب في تسمية تلك الفئات التي ينتمي إليها كلا الرجلين الثائرَين، فمنهم من يسميهم السفلة والأوباش والحثالة العامية، ومنهم من يسميهم الصعاليك والشطار والعيّار والفتيان والحرافيش. وإليهم ينتسب بالطبع أبطال رواية نجيب محفوظ "الحرافيش". بينما تسميهم الماركسية "حثالة البروليتاريا".

فيما يميل التاريخ الجديد، وخصوصاً في مدرسته الفرنسية، إلى إنشاء فرع خاص بهم هو "تاريخ الهامشيين"، ذلك أن التاريخ ظلّ يكتب لفترة طويلة من الزمن، انطلاقاً من المركز، لأن أدوار نُخب السلطة والثروة والثقافة هي التي كانت وحدها تحتسب، كما يشير إلى ذلك جان كلود شميت في كتاب "التاريخ الجديد".

وفيما يشتهر شطار أوروبا، وعياروها من أمثال روبن هود الذي تروّج له هوليوود في سلسلة من الأفلام، أو أرسين لوبين الذي انتشر في عشرات الروايات وعُرف باسم اللص الظريف، يبقى الشطار العرب، أمثال علي الزيبق ودليلة وأحمد الدنف وحسن التراب وعلّاقة، في الظل. وينظر إليهم في الغالب كنكتة أو يُسخر من أسمائهم.

يرى رجب النجار أن الشطار والعيارين يظهرون في أزمنة القلاقل والتمزقات السياسية والصراعات المذهبية، غير أن التسميات قد لا تشير إلى حقيقة أوضاعهم، وخصوصاً تلك المهن التي يعملون بها، أو الخيارات التي يسلكونها، إذ يسهل أن تستخدم الأنظمة الحاكمة جماعات منهم في حال غياب "التنظيمات" التي تجمعهم.

ويمكن أن تكون سوريا اليوم نموذجاً لظهور "الهامشيين" واقتحامهم الحياة اليومية للمدن والقرى، وتدخلهم الحاسم في بعض الأنشطة الاقتصادية والأمنية، وهم ليسوا جميعاً من طينة علي الزيبق أو علّاقة بالطبع، فبينهم من يحرس المدن ومحطات الوقود، وبينهم من يهرّب السلاح ويتاجر بالبشر. منهم من انضم إلى اللجان العسكرية للنظام، ومنهم من انضم إلى مقاتلي النظام.

غير أن التاريخ الشفوي للشعوب لا يحفظ عادة سوى تلك الأسماء التي أظهرت بسالة في الدفاع عن حقوق الفقراء والمستغَلّين، والمشكلة في كتابة تاريخهم تكمن في أن الوثائق المتعلقة بذلك هي في يد المركز، فسياسة أي نظام يمكن أن ينضم الهامشيون إلى جانبه تقوم على مبدأ الاحتواء، بينما يبقى المدافعون عن الشعب رهن أهواء التاريخ.

المساهمون